مقالات رأي

أزمة الائتلاف الحكومي الإسرائيلي وفرص التوصل الى وقف إطلاق النار

بينما هناك تفاؤل بإمكانيةً وقف إطلاق النار في قطاع غزة، يواجه نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية العديد من الأزمات الداخلية المتعلقة بالفساد وما يترتب على ذاك من جلسات محاكممة متعاقبة، مروراً بأزمة التجنيد على مواقف الأحزاب الدينية التي تهدد بتوسيع تأثر حلقة الخروج من الائتلاف الحكومي، وهو ما يدفع الحكومة لإعادة ترتيب أولوياتها وميلها نحو تثبيت وضعها الداخلي على حساب مشاريع التطبيع.

أزمة الائتلاف الحكومي

خلال الأيام الماضية، تلقت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضربة سياسية قوية مؤخرا بعد أن أعلنت إحدى الأحزاب المتشددة انسحابها من الائتلاف الحاكم. ورغم أن هذه الخطوة غير ذات تأثير فوري على بقاء نتنياهو في الحكم، إلا أنها قد تُمهّد الطريق لسقوط الحكومة في الأشهر المقبلة، وقد تكون سببا في تعقيد جهود التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة. لأن حزبا “يهودية التوراة المتحدة” أكدا على ان انسحابهما يعود إلى الخلافات حول مشروع قانون يُنهي الإعفاءات الواسعة الممنوحة لطلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية الإلزامية.

والمعروف أن الخدمة العسكرية إلزامية لغالبية الإسرائيليين اليهود، ورغم ذلك ظل موضوع الإعفاءات مثار انقسام عميق في المجتمع الإسرائيلي، حيث تزايدت حدته مع اشتداد الحرب في غزة والحاجة إلى المزيد من الجنود. وهنا يقول شوكي فريدمان، نائب رئيس معهد سياسة الشعب اليهودي في القدس: “التهديد الذي يواجه الحكومة يبدو أكثر جدية من أي وقت مضى”.

لطالما اعتمد نتنياهو، وهو أكثر زعماء إسرائيل بقاءً في الحكم، على دعم الأحزاب المتشددة لتشكيل الحكومات، وبدون حزب “يهودية التوراة المتحدة”، لا يحظى ائتلافه سوى بـ 61 مقعداً من أصل 120 في الكنيست، ما يجعله أكثر عرضة لضغوط أحزاب اليمين المتطرف التي تعارض بشدة إنهاء الحرب في غزة. ورغم أن هذه الاضطرابات قد لا تُجهض محادثات وقف إطلاق النار بالكامل، إلا أنها ستُقيّد قدرة نتنياهو على تقديم التنازلات لحركة حماس.

وفي سياق متصل، تفكر كتلة سياسية أخرى أيضاً في الانسحاب من الحكومة بسبب الخلاف حول مشروع القانون، مما قد يؤدي إلى فقدان نتنياهو الأغلبية البرلمانية، وجعل الحكم شبه مستحيل. لأن غالبية الإسرائيليين اليهود يعتبرون هذه الإعفاءات غير عادلة، خصوصاً في ظل الدعم المالي الحكومي السخي للدارسين، وهو ما يُعمّق شعور التمييز، خاصة في ظل الحرب المستمرة منذ قرابة عامين على قطاع غزة. وبالرغم من هذه الخلافات إلا أن الائتلاف الحكومي بقيادة نتنياهوًيحاول التوصل إلى صيغة توافقية، لكن معارضة قواعده الشعبية لأي إعفاءات واسعة، ورفض بعض النواب الرئيسيين، عطّل الوصول إلى حل، وأدى إلى الانسحاب الحالي من الائتلاف. 

الاضطراب السياسي وسط محادثات التهدئة في غزة

بشكل عام، لا تدخل الاستقالات أو الانسحابات من حكومة نتنياهو حيّز التنفيذ قبل مرور 48 ساعة، ما يمنح نتنياهو وقتاً ضيقاً لمحاولة التوصل إلى تسوية. غير أن المحكمة العليا كانت قد اعتبرت أن النظام القديم يُشكّل تمييزاً ضد الأغلبية العلمانية.

ورغم كل ذلك، فإن انهيار الحكومة ليس وشيكاً، إذ لا يمكن للمعارضة تقديم طلب لحلّ الكنيست قبل نهاية العام لأسباب إجرائية، كما أن عطلة الصيف البرلمانية تمنح الأطراف فرصة للتهدئة أو التفاوض على عودة محتملة. لهذا يقول وزير الثقافة ميكي زوهر من حزب الليكود إنه متفائل بإمكانية إعادة الحزب الديني إلى الائتلاف، مضيفاً: “بمشيئة الله، سيكون كل شيء على ما يرام”. لكن بمجرد دخول الاستقالات حيّز التنفيذ، سيكون لدى نتنياهو أغلبية هشة، وقد تهدد أحزاب اليمين المتطرف بالانسحاب إذا قدّم تنازلات كبيرة لحماس.

من جانبها تُطالب حماس بإنهاء دائم للحرب ضمن أي اتفاق تهدئة، بينما توافق الأحزاب اليمينية المتشددة على وقف مؤقت، لكنها تُصر على استمرار الحرب حتى تدمير حماس. لذلك في حال انسحب أي من الأحزاب الدينية الاخرى، سيكون لدى نتنياهو حكومة أقلية، ما يُصعّب عليه الاستمرار في الحكم، وبالتالي يزداد يصبح تمرير اتفاق التهدئة أكثر صعوبة. 

الانتخابات المبكرة

في ظل هذه الظروف، من المرجح أن يحاول نتنياهو تعزيز موقعه بإرضاء اليمين المتطرف والموافقة مؤقتاً على تهدئة جزئية لمدة 60 يوماً مع حماس، مع وعدٍ بإمكانية استئناف الحرب بعد ال60 يوماً. غير أن نتنياهو يُوازن بين هذه الحسابات الداخلية، والضغوط القادمة من إدارة ترامب التي تُطالبه بإنهاء الحرب. وهنا تقول غاييل تالشير، أستاذة العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس، إنها تتوقع أن يستغل نتنياهو هذه الفترة لتغيير الخطاب السياسي بعيداً عن قضايا الإعفاءات والحرب، وربما نحو توسيع اتفاقات التطبيع بقيادة أمريكية مع دول عربية أو إسلامية. ثم يعود من جديد بعد انتهاء فترة التهدئة لاستئناف الحرب، وهنا، قد يرضخ نتنياهو للضغوط الأميركية لإنهاء الحرب وإعادة الأسرى من غزة، وهي خطوة تحظى بدعم معظم الإسرائيليين. لكن يراهن نتنياهو في ذلك على تحسين موقفه السياسي الدي يعزز من خيار الانتخابات المبكرة، وبالرغم من الانتخابات مقررة  في أكتوبر 2026، إلا أن تحسن الموقف السياسي لنانياهو قد يشكل دافعا له للذهاب نحو خيار لانتخابات مبكرة.

المنطقة الإنسانية كمحاولة لارضاء الحلفاء

بالرغم من اتساع الهوة بين الموقف الإسرائيلي والمقاومة في قطاع غزة، وكذلك إصرار الجيش الإسرائيلي على البقاء في قطاع غزة، عبر الاستمرار في احتلال نحو 40‎%‎ من مساحة غزة، الا ان تمسك نتنياهو بمشروع المنطقة الإنسانية في رفح تقرأه التحليلات العبرية في سياق خشبة نتنياهو من حلفاؤه المتشددين.

تؤكد أحد التحليلات العبرية أن الهدف الحقيقي من طرح الخطة هو زيادة الضغط على حماس خلال محادثات وقف إطلاق النار الجارية، وفي الوقت نفسه استرضاء اليمينيين في الحكومة الذين يعارضون أي هدنة. خاصة وان الذهاب الى هدنة في الوقت الراهن يهدد بقاء الائتلاف الحالي، لذلك تقول المعلومات التي رشحت عن الاجتماع الأخير للحكومة الإسرائيلية ان الجيش قدم تقريرا مفصلا للمنطقة الإنسانية، لكن نتنياهو رفض ذلك باعتباره مكلفا للغاية ومعقدا، وطالب قيادة الجيش بتقديم مشروعا أكثر واقعية، وأقل من حيث التكلفة المالية والوقت، وهو ما اعتبرته الأوساط الإعلامية الإسرائيلية مشروعا وهمياً، هدفه إرضاء نتنياهو لحلفاءه المتشددين مقابل تمرير اتفاق التهدئة في قطاع غزة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق