سلاح إسرائيل الجديد: الإرهاب الاستيطاني. (فتية التلال أنموذجاً)
الجزء الأول
ملخص تنفيذي
تتطرق هذه الدراسة البحثية إلى الإرهاب الاستيطاني المتصاعد تجاه الفلسطينيين في أنحاء الضفة الغربية، والذي بات في الآونة الأخيرة سلاحاً استراتيجياً تستغله المؤسستان السياسية والعسكرية لدولة الاحتلال باستمرار من خلال تبني جماعات المستوطنين كـ عنصرٍ رئيسي في ملف توسيع رقعة الاستيطان، حيث تدرجت السياسات المصاحبة لإرهاب مستوطني التلال منذ ظهورهم إلى أن وصلت لما هي عليه اليوم من دعمٍ رسميٍ واسع وانتشارٍ جغرافيٍ فعّال. وفي ضوء ذلك؛ تتناول السطور التالية لهذه الدراسة استراتيجية “السيطرة على التلال” بدءاً من نشأتها وتطورها، ومروراً بتبلورها في إطار تنظيم “فتية التلال” الإرهابي، الذي أصبح يعد أكثر جماعات المستوطنين إرهاباً ونشاطاً في التلال والمرتفعات في الضفة الغربية، حيث تتناول الورقة هذا التنظيم كـ دراسة حالة حول الإرهاب الاستيطاني، من خلال الوقوف على ما يتلقاه من دعمٍ وغطاءٍ لا متناهيين من قبل أجهزة دولة الاحتلال، وكذلك صياغة أهم الاحتمالات المتوقعة لمألات استمرار هذا الدعم واطلاق أيدي أفراده على توتر الأوضاع الميدانية في الضفة الغربية وانعكاسات ذلك على مختلف المستويات.
تمهيد:
تشهد الضفة الغربية في الآونة الأخيرة ارتفاعاً حاداً في وتيرة التوتر الميداني؛ فقد تلاحقت الأحداث بشكل متسارع مع تصاعد الخطاب اليميني المتشدّد في الحكومة الإسرائيلية الحالية، وهو ما انعكس ميدانياً بزيادة وتيرة عمليات قوات الاحتلال التي استهدفت بؤر المقاومة من جهة، واعتداءات المستوطنين من جهة أخرى، التي أخذت بُعداً تنظيمياً أكثر مما كانت عليه سابقاً من العشوائية. وهو ما يعكس جانباً من تواطؤِ الحكومة الحالية يمينية التوجه مع الإرهاب الاستيطاني المتمثل بمجموعات “فتية التلال”، وظهر ذلك جليّاً في التصريحات الداعمة لقياداتها المتطرفة وإن لم تعلن تبنّيها بشكلٍ رسمي، وفي مقدمتهم سموتريتش وبن غافير، وغيرهما.
تتلقّى جماعات المستوطنين القائمة على الأعمال الإرهابية الممنهجة ضد الفلسطينيين مختلف أشكال الدعم المؤسساتي الرسمي، وبضمنها اللوجستي والمادي، إضافةً إلى أنها تحظى أيضاً بحماية قوات الاحتلال؛ نظراً لأهمية هذه الجماعات كعنصرٍ رئيسي وفعّال في إطار سياسة الاستيطان المتّبعة في الضفة الغربية. وتنشط هذه الجماعات في التلال والمرتفعات مُمارِسةً إرهابها الممنهج ضد الفلسطينيين بمختلف أشكاله، من اعتداءاتٍ على ممتلكاتهم ونهبٍ لمواشيهم وتهديدٍ لأرواحهم، وهذا ما بدا واضحاً في حوارة عندما نظموا اعتداءات جماعية على الممتلكات الفلسطينية موقعين الكثير من الخسائر.
انعكس ذلك سياسياً داخل دولة الاحتلال من خلال تصاعد حدّة الخلافات ما بين المعارضة والحكومة الحالية، وقد صاحبها تنظيمُ مظاهراتٍ مندّدة بالتوجه اليميني المتطرف، وجاءت بدعوة من قيادات المعارضة الحالية التي حذّرت بشدّة من إمكانية أن تؤدّي إجراءات الحكومة الحالية إلى التسريع بوتيرة الأحداث دافعةً الجبهة الداخلية نحو التزعزع والتفكّك، وأكّدت ضرورة وقف التوجه نحو الحسم العمليّاتي في الضفة الغربية الذي يُروَّج له، مع ضرورة تبنّي مقاربة أكثر توازناً من شأنها أن تحافظ على الاستقرار الميداني في الضفة والسياسي في الداخل، بدلاً من دعم الإرهاب الاستيطاني كوسيلةٍ لتعزيز السيطرة على الأراضي، لأن ما يرافق هذه الحملة الشرسة لمستوطني التلال من تدمير الممتلكات وتهديد السكان الفلسطينيين، يُقابل بردود فعلٍ غاضبة تنعكس على شكل مواجهات متبادلة أو عملياتٍ للمقاومة تنال من مستوطني التلال وغيرهم.
المستوطنون وسياساتهم:
تشهد سياسة الاستيطان تسارعاً ونشاطاً غير مسبوقاً يُلاحظ من عدد الوحدات الاستيطانية المنتشرة في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، والمتمثلة بانتشارٍ جغرافي واسع يحوّل المكون الفلسطيني الجغرافي إلى كانتونات منفصلة بعضها عن البعض الآخر، ومحاطة بمجموعةٍ شاسعة من المستوطنات المحمية بمعسكرات جيش الاحتلال والمتصلة فيما بينها بواسطة طرقٍ التفافية لا يصلها الفلسطينيون، مما يعزّز من فصل التجمّعات الفلسطينية بما يضمن القضاء على أيّ فرصةٍ مستقبلية لتكوين الدولة الفلسطينية المستقلة. وهي خطوة استراتيجية تأتي في سياق الرؤية الصهيونية الرامية إلى السيطرة على الأرض بطرد السكان وإحلال المستوطنين، والتي يجري تطبيقها على قدمٍ وساق، بغضّ النظر عن اختلاف الحكومات المتعاقبة على دولة الاحتلال بشقّيها اليميني واليساري.
وفي ضوء ذلك؛ سعت الحكومات الإسرائيلية منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967 إلى القيام بتكثيف وتيرة البناء الاستيطاني بشكلٍ ملحوظ على فتراتٍ متتالية ومتأرجحة ما بين الزيادة والتراجع وفق التطورات الميدانية والمستجدّات السياسية في الأراضي المحتلة.
وإثر هذه الإجراءات التوسعية للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في الآونة الأخيرة، بات التوسّع الاستيطاني في الضفة الغربية يشهد ارتفاعاً حادّاً في عدد المستوطنات وقاطنيها؛ فقد بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية وشرقي القدس 726 ألفاً و427 مستوطناً، موزّعين على 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية. فيما صادقت الحكومة الحالية على مشاريع استيطانية لشرعنة البؤر التي نشأت على أيدي جماعات المستوطنين الإرهابية، وبضمنها “فتية التلال”.
ونظراً لأن المرحلة الحالية جاءت، بكلّ تجاذباتها السياسية وتفاعلاتها الميدانية على المستويين المحلّي والإقليمي، مواتيةً لسياسات قادة الاحتلال؛ فالوضع الفلسطيني العام في طور انسداد الأفق من جهة، والمستجدات الإقليمية أشغلت الفاعلين التقليديين عن القضية الفلسطينية من جهةٍ أخرى، فقد استغلّ قادة حكومة الاحتلال الحالية ذات التوجه اليميني المتطرف تلك الظروف المواتية، عامدين إلى تكثيف حملة الاستيطان في جميع أنحاء الضفة الغربية بشكلٍ متسارع وغير مسبوق، معتمدين على سلاح الإرهاب الاستيطاني الذي يعدّ الأكثر مرونة في توسيع رقعة الاستيطان في مناطقٍ تلال الضفة الاستراتيجية.
استراتيجية السيطرة على التلال:
تسعى دولة الاحتلال منذ احتلالها الضفة الغربية عام 1967 إلى فرض سيطرتها على القمم الجبلية والتلال المرتفعة فيها، والتي تشكل الأغلبية العظمى من جغرافية الضفة بطول 120 كم وبعرض 50 كم، كما تتمتع بثروات طبيعية هامة وموقعٍ استراتيجي مُحكم. وتأتي هذه الاستراتيجية ضمن أجندة عسكرية وأمنية ترمي إلى التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية، من خلال إحكام السيطرة على أهم النقاط الاستراتيجية في أماكن التماس مع الفلسطينيين، بهدف فرض التغيير الديمغرافي وضمّ تلك المناطق إلى دولة الاحتلال. وتعدّ من أهم الاستراتيجيات العسكرية للسيطرة الصامتة على الأرض دون اللجوء إلى إجراءات عسكرية صارمة يكون وقعها الميداني وأثرها المعاكس أشدّ فيما يتعلق بملفّ الاستيطان.
ومع ازدياد أعداد الشباب في المستوطنات في السبعينيات، أُنشئت مستوطنات يافعة تضمّ بشكلٍ أساسي المتزوجين من الشباب، ومع حلول نهاية القرن الماضي، وصل عدد الأولاد فيها إلى حدٍّ كبير، وعلى الرغم من الاهتمام الرسمي بتعليمهم، بقيت فئةٌ منهم بلا غطاءٍ تعليمي يشملها لظروفٍ عدّة أسفرت عن ميل عدد كبيرٍ منهم إلى توجّهاتٍ أخرى، تمثّلت بالعزوف عن حياة الترف في المدن والتوجه إلى التلال لإنشاء بؤر استيطانية وفق عقيدةٍ إيديولوجية متطرفة. الأمر الذي اعتبره قادة الاحتلال سلاحاً استراتيجياً هاماً يدعم توجهات الحكومات الصهيونية الساعية إلى تعزيز الاستيطان، بالاعتماد على فئةٍ من المستوطنين صعُب دمجهم في المجتمع الإسرائيلي، فدُفع بهم إلى خطّ المواجهة مع الفلسطينيين.
ويُذكر أن أرئيل شارون هو أول من عمل على تبنّي هذه الاستراتيجية بشكلٍ منظّم عندما كان وزيراً لخارجية حكومة نتنياهو عام 1998؛ لإحكام السيطرة على المفاصل الجبلية في الضفة الغربية، بما يعزز الوجود الاستيطاني فيها، دافعاً لتنفيذ ذلك مجموعات من الشبان المستوطنين نحو تلال الضفة الغربية المحاذية للمستوطنات لتعزيز السيطرة على المزارع المجاورة لها من جهة، ولتكوين بؤر استيطانية جديدة من جهةٍ أخرى.
لذا يُلقّب شارون بالمؤسّس الفعلي لـ “فتية التلال” المتطرّفة، لأنه أول من أعطاها الضوء الأخضر بشكلٍ رسمي للاستيطان في قمم الجبال ضمن رؤية استراتيجية لتعزيز الاستيطان والسيطرة على الأماكن الهامة التي من شأنها تعيق حركة المواطن الفلسطيني وتحصره في نطاقٍ ضيّق، بما يعزز السيطرة الأمنية والعسكرية لدولة الاحتلال، وهذا ما يُلاحظ من طبيعة التوزيع الجغرافي للمستوطنات في الضفة الغربية.
وفي هذا السياق؛ باتت دولة الاحتلال تتبنّى استراتيجيّةً واضحة المعالم تسعى إلى تفتيت المكوّن الديمغرافي الفلسطيني بتعزيز الفصل الجغرافي بين مدنه وقُراه، بما يضمن تحويل الضفة الغربية إلى تجمّعات فلسطينية متناثرة ومحاطة بمجموعة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية المترابطة فيما بينها بطرقٍ التفافية ومعزّزة بحماية مواقعٍ عسكرية. وبإسكانها أكثر الجماعات اليمينية الصهيونية تطرّفاً وإرهاباً، بات الفلسطينيون أمام تهديدِ إرهاب منظّم يُمارس حالياً ضمن رؤيةٍ استراتيجيةٍ مدروسة لدولة الاحتلال.
الخلفيّة التاريخية وأبرز “جماعات التلال”:
في إطار تشجيع حكومات الاحتلال المتعاقبة الفاعلين الرئيسيين من جماعات المستوطنين في هذه الاستراتيجية، يقدّم قادة الاحتلال كلّ أشكال الدعم اللوجستي والمادي تشجيعاً لهم على الإجراءات الاستيطانية ذات الصلة بهذه الاستراتيجية. خاصةً أن دولة الاحتلال أدركت مبكراً منذ بدايات الاستيطان في الضفة والقدس أهمية تلك الجماعات وما تقدمه فيما يتعلق بملفّ السيطرة على التلال في إطار المشروع الاستيطاني؛ لما توفره من إمكانيات وترفعه من حرجٍ قد تتعرض له الدولة إقليمياً ودولياً في حال كانت هذه الإجراءات رسمية.
منذ بداية هذه الاستراتيجية توالت العديد من الجماعات الاستيطانية المتطرفة على التلال والمرتفعات الجبلية المحاذية للمستوطنات، وقد ساهمت منذ أن تبلورت سياسة الاستيطان في تطوير استراتيجية السيطرة على التلال إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم من إمكانياتٍ تتمتع به جماعاتها الحالية من تسليحٍ منظّم ودعم لوجستي، مثل تنظيم “فتية التلال” ذائع الصيت بعملياته الإرهابية ضد الفلسطينيين.
وتعدّ حركة “هذه الأرض لنا” من أولى الحركات المتطرفة التي عملت على تعزيز سياسة السيطرة على التلال الجبلية، فقد تأسست عام 1993 من قبل موشي فيجلن، وتعدّ إحدى حركات اليمين المتطرف التي سعت إلى تكوين مستوطنات جديدة، من خلال تطوير خطة استراتيجية بالزحف العشوائي في بادئ الأمر نحو التلال الجبلية مسيطرين على ما يقارب 15 تلّة محاذية لمستوطنات موجودة في الضفة الغربية، ضمن حملة عُرفت باسم “حرب التلال”، التي كانت النواة الأساسية التي التقفها بعض قادة الاحتلال لصياغة خطة استراتيجية لتوسيع دائرة السيطرة الإسرائيلية على تلال الضفة الغربية وربط بعضها ببعض بطرُق التفافية، وتعزيزها بجماعاتٍ من المستوطنين المسلّحين.
وفي هذا السياق؛ عمدت جماعات المستوطنين المتشكّلة مع بداية الانتفاضة الثانية عام 2000 على مهاجمة المزارعين الفلسطينيين في التلال الجبلية ومنعهم من حصد الزيتون، مستغلّين بذلك الفتاوى الدينية التي أطلقها العديد من الحاخامات المتطرفين، فيما كان غطاء الحماية الأمنية والعسكرية من قبل قوات الاحتلال دافعاً ومحفزاً لإرهاب المستوطنين وتماديهم في اعتداءاتهم على الفلسطينيين، التي يتبعها السيطرة على حقول الزيتون تمهيداً لتحويلها إلى بؤرٍ استيطانية تكون مركزاً لتوسيع دائرة الاستيطان في المنطقة المجاورة، ومن أكبر موجات السيطرة الاستيطانية على التلال الجبلية ما شهدته الضفة الغربية عام 2002.
وظهرت عام 2008 مجموعة متطرفة من مستوطني مستوطنة “يتسهار” تحت مسمّى “شارة ثمن”، واستطاع أفرادها استقطاب مستوطنين آخرين إلى أنشطتها التي غطّت في فترة وجيزة معظم أنحاء الضفة الغربية، واتخذ أفراد هذه العصابة من الإرهاب الصهيوني وسيلةً لتوجيه أنشطتهم الاستيطانية في التلال. وهناك من يرى أن جذور هذه الحركة تمتد إلى تنظيم “فتية التلال”، ولكن تأثيره لم يدم طوياً، فسرعان ما عاد الإرهاب الصهيوني للتبلور في إطار “فتية التلال”، وهو ما انعكس على زيادة أعمالها الإرهابية بشكلٍ ملحوظ في العشر سنوات الأخيرة.
وتتبع قوات الاحتلال وجماعات المستوطنين أساليب عدّة لبسط نفوذها على المناطق الجبلية في الضفة، ومن أهمها؛ تنظيم زيارات دورية إلى المنطقة المراد السيطرة عليها، ومن ثم العمل على مزاحمة قاطنيها بأعمالٍ وحرفٍ مشابهة مثل الإجراءات المتّبعة في إطار الاستيطان الرعوي الممثل بـ “فتية التلال”، الذي يبدأ بتحريك أنشطةٍ رعويةٍ عدّة إلى تلك المناطق، تنتهي بتوسيع نطاق السيطرة الاستيطانية إلى تلك الأراضي، ومن ثم تحويلها إلى مركزٍ استيطاني لتوجيه عمليات طرد السكان وفرض السيطرة بإقرار رسمي وتشريعٍ قضائي من قبل أجهزة دولة الاحتلال فيما بعد.
وسرعان ما تتحول مثل هذه الإجراءات بوتيرتها المستمرة إلى واقعٍ يُمارس بشكلٍ منتظم من قبل جماعات المستوطنين المتمركزة على التلة المستهدفة، والتي يغلب عليها الطابع العشوائي البعيد عن التكوين الأسري المعهود لباقي المستوطنين في الضفة. وتتلقى دعماً بمختلف الأشكال وبضمنه الدعم اللوجستي والعسكري، وتحظى أيضاً بحماية قوات الاحتلال؛ نظراً لأهمية هذه الجماعات كعنصر رئيسي في إطار سياسة الاستيطان المتبعة في الضفة الغربية، كما وُضّح أعلاه.
فتية التلال والإرهاب الاستيطاني “سلاحٌ جديد”:
في الآونة الأخيرة؛ زادت الأعمال الإرهابية التي ترتكبها جماعات المستوطنين في إطار سياسة “تدفيع الثمن” الممنهجة ضد الفلسطينيين، إضافةً إلى عمليات الاقتحامات والاغتيالات المتكررة لقوات الاحتلال في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، مما زاد من توتر الوضع الأمني في الضفة الغربية.
تمارس جماعات من المستوطنين إرهابهم الممنهج بأساليب متنوعة تستهدف الفلسطينيين وممتلكاتهم في الأماكن المحاذية للمستوطنات والبؤر الاستيطانية، فهناك مئات الأعمال الإرهابية التي يمارسها المستوطنون وينفّذ الجزء الأكبر منها مستوطنو التلال والمرتفعات، أو من يعرفون بـ” فتية التلال”، ذائعو الصيت بالإرهاب العشوائي المتمثل بمهاجمة الممتلكات الفلسطينية والاعتداء على أصحابها بكلّ الأشكال والأساليب، مدفوعين بدعمٍ لوجستي ومادي من قبل قوات الاحتلال.
ويأتي ذلك في إطار سياسة استغلال هذا العنصر كسلاحٍ جديدٍ وفعّالٍ في توسيع رقعة الاستيطان في الضفة الغربية من جهة، وفي محاولةٍ من الاحتلال لإلباس التدهور الأمني في الضفة لباسَ الصراع القومي بين تكتلين اجتماعيين بصبغة دينية في الضفة الغربية من جهة أخرى. فيستفيد قادة دولة الاحتلال من ذلك في التنصّل من سياساتها التعسفية في الضفة الغربية، فيما يتعلق بهجماتها المتكررة وسياسة الاستيطان. وهذا ما ظهر جلياً في الآونة الأخيرة بعد تزايد أعداد الاعتداءات بمختلف أنواعها بشكلٍ ملحوظ، التي طالت منازل المواطنين ليلاً، مما تسبب بالكثير من الخسائر في الأرواح والممتلكات لدى الفلسطينيين.
ومن جانبٍ آخر؛ أدرك قادة الاحتلال أهمية ما يقدمه تنظيم “فتية التلال” الإرهابي في ملف الاستيطان من أعمالٍ ساهمت بشكلٍ فعالٍ بزيادة رقعة البؤر الاستيطانية في أماكنٍ استراتيجية في التلال. وبناءً على ذلك، تسعى الحكومات الإسرائيلية إلى تقديم كلّ سبل الدعم لأفراد هذا التنظيم، على الرغم من الترويج لسياسة احتوائهم من خلال الحدّ من أنشطتهم في أماكن وجودهم. وهو ما فنّده بشكلٍ صريح زيادةُ نشاطهم الاستيطاني وأعمالهم الإرهابية زيادةً كبيرة، بفضل الدعم المادي واللوجستي الذي تقدّمه لهم حكومة الاحتلال ضمن خطةٍ استراتيجيةٍ مدروسة لتوسيع الاستيطان بتكوين بؤرٍ جديدة في إطار الاستيطان الرعوي الذي يمارسه أفراد هذا التنظيم.
استراتيجية السيطرة على التلال:
تسعى دولة الاحتلال منذ احتلالها الضفة الغربية عام 1967 إلى فرض سيطرتها على القمم الجبلية والتلال المرتفعة فيها، والتي تشكل الأغلبية العظمى من جغرافية الضفة بطول 120 كم وبعرض 50 كم، كما تتمتع بثروات طبيعية هامة وموقعٍ استراتيجي مُحكم. وتأتي هذه الاستراتيجية ضمن أجندة عسكرية وأمنية ترمي إلى التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية، من خلال إحكام السيطرة على أهم النقاط الاستراتيجية في أماكن التماس مع الفلسطينيين، بهدف فرض التغيير الديمغرافي وضمّ تلك المناطق إلى دولة الاحتلال. وتعدّ من أهم الاستراتيجيات العسكرية للسيطرة الصامتة على الأرض دون اللجوء إلى إجراءات عسكرية صارمة يكون وقعها الميداني وأثرها المعاكس أشدّ فيما يتعلق بملفّ الاستيطان.
ومع ازدياد أعداد الشباب في المستوطنات في السبعينيات، أُنشئت مستوطنات يافعة تضمّ بشكلٍ أساسي المتزوجين من الشباب، ومع حلول نهاية القرن الماضي، وصل عدد الأولاد فيها إلى حدٍّ كبير، وعلى الرغم من الاهتمام الرسمي بتعليمهم، بقيت فئةٌ منهم بلا غطاءٍ تعليمي يشملها لظروفٍ عدّة أسفرت عن ميل عدد كبيرٍ منهم إلى توجّهاتٍ أخرى، تمثّلت بالعزوف عن حياة الترف في المدن والتوجه إلى التلال لإنشاء بؤر استيطانية وفق عقيدةٍ إيديولوجية متطرفة. الأمر الذي اعتبره قادة الاحتلال سلاحاً استراتيجياً هاماً يدعم توجهات الحكومات الصهيونية الساعية إلى تعزيز الاستيطان، بالاعتماد على فئةٍ من المستوطنين صعُب دمجهم في المجتمع الإسرائيلي، فدُفع بهم إلى خطّ المواجهة مع الفلسطينيين.
ويُذكر أن أرئيل شارون هو أول من عمل على تبنّي هذه الاستراتيجية بشكلٍ منظّم عندما كان وزيراً لخارجية حكومة نتنياهو عام 1998؛ لإحكام السيطرة على المفاصل الجبلية في الضفة الغربية، بما يعزز الوجود الاستيطاني فيها، دافعاً لتنفيذ ذلك مجموعات من الشبان المستوطنين نحو تلال الضفة الغربية المحاذية للمستوطنات لتعزيز السيطرة على المزارع المجاورة لها من جهة، ولتكوين بؤر استيطانية جديدة من جهةٍ أخرى.
لذا يُلقّب شارون بالمؤسّس الفعلي لـ “فتية التلال” المتطرّفة، لأنه أول من أعطاها الضوء الأخضر بشكلٍ رسمي للاستيطان في قمم الجبال ضمن رؤية استراتيجية لتعزيز الاستيطان والسيطرة على الأماكن الهامة التي من شأنها تعيق حركة المواطن الفلسطيني وتحصره في نطاقٍ ضيّق، بما يعزز السيطرة الأمنية والعسكرية لدولة الاحتلال، وهذا ما يُلاحظ من طبيعة التوزيع الجغرافي للمستوطنات في الضفة الغربية.
وفي هذا السياق؛ باتت دولة الاحتلال تتبنّى استراتيجيّةً واضحة المعالم تسعى إلى تفتيت المكوّن الديمغرافي الفلسطيني بتعزيز الفصل الجغرافي بين مدنه وقُراه، بما يضمن تحويل الضفة الغربية إلى تجمّعات فلسطينية متناثرة ومحاطة بمجموعة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية المترابطة فيما بينها بطرقٍ التفافية ومعزّزة بحماية مواقعٍ عسكرية. وبإسكانها أكثر الجماعات اليمينية الصهيونية تطرّفاً وإرهاباً، بات الفلسطينيون أمام تهديدِ إرهاب منظّم يُمارس حالياً ضمن رؤيةٍ استراتيجيةٍ مدروسة لدولة الاحتلال.
الخلفيّة التاريخية وأبرز “جماعات التلال”:
في إطار تشجيع حكومات الاحتلال المتعاقبة الفاعلين الرئيسيين من جماعات المستوطنين في هذه الاستراتيجية، يقدّم قادة الاحتلال كلّ أشكال الدعم اللوجستي والمادي تشجيعاً لهم على الإجراءات الاستيطانية ذات الصلة بهذه الاستراتيجية. خاصةً أن دولة الاحتلال أدركت مبكراً منذ بدايات الاستيطان في الضفة والقدس أهمية تلك الجماعات وما تقدمه فيما يتعلق بملفّ السيطرة على التلال في إطار المشروع الاستيطاني؛ لما توفره من إمكانيات وترفعه من حرجٍ قد تتعرض له الدولة إقليمياً ودولياً في حال كانت هذه الإجراءات رسمية.
منذ بداية هذه الاستراتيجية توالت العديد من الجماعات الاستيطانية المتطرفة على التلال والمرتفعات الجبلية المحاذية للمستوطنات، وقد ساهمت منذ أن تبلورت سياسة الاستيطان في تطوير استراتيجية السيطرة على التلال إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم من إمكانياتٍ تتمتع به جماعاتها الحالية من تسليحٍ منظّم ودعم لوجستي، مثل تنظيم “فتية التلال” ذائع الصيت بعملياته الإرهابية ضد الفلسطينيين.
وتعدّ حركة “هذه الأرض لنا” من أولى الحركات المتطرفة التي عملت على تعزيز سياسة السيطرة على التلال الجبلية، فقد تأسست عام 1993 من قبل موشي فيجلن، وتعدّ إحدى حركات اليمين المتطرف التي سعت إلى تكوين مستوطنات جديدة، من خلال تطوير خطة استراتيجية بالزحف العشوائي في بادئ الأمر نحو التلال الجبلية مسيطرين على ما يقارب 15 تلّة محاذية لمستوطنات موجودة في الضفة الغربية، ضمن حملة عُرفت باسم “حرب التلال”، التي كانت النواة الأساسية التي التقفها بعض قادة الاحتلال لصياغة خطة استراتيجية لتوسيع دائرة السيطرة الإسرائيلية على تلال الضفة الغربية وربط بعضها ببعض بطرُق التفافية، وتعزيزها بجماعاتٍ من المستوطنين المسلّحين.
وفي هذا السياق؛ عمدت جماعات المستوطنين المتشكّلة مع بداية الانتفاضة الثانية عام 2000 على مهاجمة المزارعين الفلسطينيين في التلال الجبلية ومنعهم من حصد الزيتون، مستغلّين بذلك الفتاوى الدينية التي أطلقها العديد من الحاخامات المتطرفين، فيما كان غطاء الحماية الأمنية والعسكرية من قبل قوات الاحتلال دافعاً ومحفزاً لإرهاب المستوطنين وتماديهم في اعتداءاتهم على الفلسطينيين، التي يتبعها السيطرة على حقول الزيتون تمهيداً لتحويلها إلى بؤرٍ استيطانية تكون مركزاً لتوسيع دائرة الاستيطان في المنطقة المجاورة، ومن أكبر موجات السيطرة الاستيطانية على التلال الجبلية ما شهدته الضفة الغربية عام 2002.
وظهرت عام 2008 مجموعة متطرفة من مستوطني مستوطنة “يتسهار” تحت مسمّى “شارة ثمن”، واستطاع أفرادها استقطاب مستوطنين آخرين إلى أنشطتها التي غطّت في فترة وجيزة معظم أنحاء الضفة الغربية، واتخذ أفراد هذه العصابة من الإرهاب الصهيوني وسيلةً لتوجيه أنشطتهم الاستيطانية في التلال. وهناك من يرى أن جذور هذه الحركة تمتد إلى تنظيم “فتية التلال”، ولكن تأثيره لم يدم طوياً، فسرعان ما عاد الإرهاب الصهيوني للتبلور في إطار “فتية التلال”، وهو ما انعكس على زيادة أعمالها الإرهابية بشكلٍ ملحوظ في العشر سنوات الأخيرة.
وتتبع قوات الاحتلال وجماعات المستوطنين أساليب عدّة لبسط نفوذها على المناطق الجبلية في الضفة، ومن أهمها؛ تنظيم زيارات دورية إلى المنطقة المراد السيطرة عليها، ومن ثم العمل على مزاحمة قاطنيها بأعمالٍ وحرفٍ مشابهة مثل الإجراءات المتّبعة في إطار الاستيطان الرعوي الممثل بـ “فتية التلال”، الذي يبدأ بتحريك أنشطةٍ رعويةٍ عدّة إلى تلك المناطق، تنتهي بتوسيع نطاق السيطرة الاستيطانية إلى تلك الأراضي، ومن ثم تحويلها إلى مركزٍ استيطاني لتوجيه عمليات طرد السكان وفرض السيطرة بإقرار رسمي وتشريعٍ قضائي من قبل أجهزة دولة الاحتلال فيما بعد.
وسرعان ما تتحول مثل هذه الإجراءات بوتيرتها المستمرة إلى واقعٍ يُمارس بشكلٍ منتظم من قبل جماعات المستوطنين المتمركزة على التلة المستهدفة، والتي يغلب عليها الطابع العشوائي البعيد عن التكوين الأسري المعهود لباقي المستوطنين في الضفة. وتتلقى دعماً بمختلف الأشكال وبضمنه الدعم اللوجستي والعسكري، وتحظى أيضاً بحماية قوات الاحتلال؛ نظراً لأهمية هذه الجماعات كعنصر رئيسي في إطار سياسة الاستيطان المتبعة في الضفة الغربية، كما وُضّح أعلاه.
فتية التلال والإرهاب الاستيطاني “سلاحٌ جديد”:
في الآونة الأخيرة؛ زادت الأعمال الإرهابية التي ترتكبها جماعات المستوطنين في إطار سياسة “تدفيع الثمن” الممنهجة ضد الفلسطينيين، إضافةً إلى عمليات الاقتحامات والاغتيالات المتكررة لقوات الاحتلال في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، مما زاد من توتر الوضع الأمني في الضفة الغربية.
تمارس جماعات من المستوطنين إرهابهم الممنهج بأساليب متنوعة تستهدف الفلسطينيين وممتلكاتهم في الأماكن المحاذية للمستوطنات والبؤر الاستيطانية، فهناك مئات الأعمال الإرهابية التي يمارسها المستوطنون وينفّذ الجزء الأكبر منها مستوطنو التلال والمرتفعات، أو من يعرفون بـ” فتية التلال”، ذائعو الصيت بالإرهاب العشوائي المتمثل بمهاجمة الممتلكات الفلسطينية والاعتداء على أصحابها بكلّ الأشكال والأساليب، مدفوعين بدعمٍ لوجستي ومادي من قبل قوات الاحتلال.
ويأتي ذلك في إطار سياسة استغلال هذا العنصر كسلاحٍ جديدٍ وفعّالٍ في توسيع رقعة الاستيطان في الضفة الغربية من جهة، وفي محاولةٍ من الاحتلال لإلباس التدهور الأمني في الضفة لباسَ الصراع القومي بين تكتلين اجتماعيين بصبغة دينية في الضفة الغربية من جهة أخرى. فيستفيد قادة دولة الاحتلال من ذلك في التنصّل من سياساتها التعسفية في الضفة الغربية، فيما يتعلق بهجماتها المتكررة وسياسة الاستيطان. وهذا ما ظهر جلياً في الآونة الأخيرة بعد تزايد أعداد الاعتداءات بمختلف أنواعها بشكلٍ ملحوظ، التي طالت منازل المواطنين ليلاً، مما تسبب بالكثير من الخسائر في الأرواح والممتلكات لدى الفلسطينيين.
ومن جانبٍ آخر؛ أدرك قادة الاحتلال أهمية ما يقدمه تنظيم “فتية التلال” الإرهابي في ملف الاستيطان من أعمالٍ ساهمت بشكلٍ فعالٍ بزيادة رقعة البؤر الاستيطانية في أماكنٍ استراتيجية في التلال. وبناءً على ذلك، تسعى الحكومات الإسرائيلية إلى تقديم كلّ سبل الدعم لأفراد هذا التنظيم، على الرغم من الترويج لسياسة احتوائهم من خلال الحدّ من أنشطتهم في أماكن وجودهم. وهو ما فنّده بشكلٍ صريح زيادةُ نشاطهم الاستيطاني وأعمالهم الإرهابية زيادةً كبيرة، بفضل الدعم المادي واللوجستي الذي تقدّمه لهم حكومة الاحتلال ضمن خطةٍ استراتيجيةٍ مدروسة لتوسيع الاستيطان بتكوين بؤرٍ جديدة في إطار الاستيطان الرعوي الذي يمارسه أفراد هذا التنظيم.
الاستيطان الرعوي استراتيجيةُ “فتية التلال”:
يمارس أفراد تنظيم “فتية التلال” استيطاناً رعوياً من خلال السيطرة على الأراضي الزراعية والمواشي الخاصة بالفلسطينيين، موزّعين انتشارهم الرعوي على القمم والتلال الجبلية في شتى أنحاء الضفة الغربية، ويعترضون جميع أشكال الحياة البدوية الفلسطينية هناك.
وسُجّلت مئات الحالات التي شهدت أعمالاً إرهابية من قبل أفراد التنظيم، وقد نتج عنها تقلّصٌ في المساحة الرعوية للمزارعين الفلسطينيين، ونقصٌ واضحٌ في مواشيهم في التلال والمرتفعات الجبلية، فبعد أن كانت تقدّر بالمئات لكل عائلة، أصبحت تقدر بالعشرات، وذلك نتيجة لأعمال النهب والسرقة التي يمارسها أفراد “فتية التلال” تجاه المواشي الفلسطينية. ويمكّن الاستيطان الرعوي المستوطنين من السيطرة على الأراضي الفلسطينية بوتيرة أسرع، مُدعّماً بحمايةٍ عسكرية إسرائيلية بحجّة رعي المواشي.
ويذكر أن أفراد هذه الجماعات هم ليسوا رعاة، وإنما يخدمون في تلك الجمعيات الاستيطانية ومسلّحون، ويمارسون إرهابهم الاستيطاني على المزارعين الفلسطينيين بشكل مستمر، وظلّ هذا المشهد هو السائد الضفة منذ فترة، إلى أن اندلعت أحداث حوارة، التي جاءت مغايرة لما جرى معايشته سابقاً، فتحولت هذه الجماعات من الاعتداء على الأراضي والمزارعين إلى إطلاق ايديهم على المنشآت المدنية وتهديد قاطنيها بشكلٍ جماعي ومنظّم.