الحوار الفلسطيني

خطّة سموتريتش.. فصل عنصري.. وروابط قرى

لا يمكن فهمُ السياسات والتصريحات العنصرية لوزير المالية الإسرائيلي، الوزير في وزارة الدفاع أيضاً، زعيم حزب الصهيونية الدينية يتسلئيل سموتريتش، دون الاطّلاع على خطّته الأصلية تجاه حسم الصراع في فلسطين، التي نشرها علناً قبل ستّ سنوات تقريباً.

بدايةً، لم يُخْفِ زعيمُ حزب الصهيونية الدينية يوماً انتقاده لسياسة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو وحزبه الليكود واليمين التقليدي عموماً لجهة إمكانية التوصل إلى حلّ نهائي للصراع في فلسطين، حتى وفق ما تسمّى ثوابت الإجماع الصهيونية الثلاثة: لا للعودة إلى حدود حزيران (يونيو) 67، لا لتقسيم القدس العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل، ولا لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي شُرّدوا منها في عام 1948، علماً أن طروحات الليكود ونتنياهو شخصياً شملت إقامة حكم ذاتي بلدي موسّع (زائد)، أو أقلّ من دولة، للفلسطينيين، ولو على نصف الضفة الغربية، تحت الهيمنة الإسرائيلية السياسية والأمنية والاقتصادية، كما يقول نتنياهو دائماً. الفكرة نفسها طرحها زعيم ومؤسّس حزب حيروت “الليكود”: مناحيم بيغن، في اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، ومثّلت تحديثاً لخطّة اليمين الأصلية عن الوطن البديل في الأردن. بينما حدّث حزب العمل نظريّته عن الخيار الأردني البديل لصالح العمل مع الفلسطينيين، كما تبدَّى في اتفاق أوسلو والتفاهمات المتفرّعة عنه.

سموتريتش يرفض كذلك نظريات السلام الاقتصادي وإدارة الصراع أو تقليصه إلى الحد الأدنى المحتمل إسرائيلياً سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وهو يعتقد أن بالإمكان حسم الصراع نهائياً لصالح نظريته المتطرفة جداً، كما يتضح من الاسم الذي أطلقه على خطّته، التي جاءت بعنوان: “خطّة الحسم.. مفتاح السلام بين النهر والبحر”، التي نشرها في مجلّة “هشيلوح” للأبحاث في أيلول (سبتمبر) 2017.

تتكون الخطة من جزأين أو بندين رئيسيين، يتضمّن الأول خططاً ومساعي للوصول إلى مليون مستوطن في الضفة الغربية_ والموجود فيها حالياً نصف مليون مستوطن تقريباً_ وذلك بتكثيف الاستيطان خاصة في المناطق “ج”  التي تبلغ مساحتها ستين في المئة من الضفة، مع شرعنة البؤر الاستيطانية العشوائية النائية وغير القانونية حتى وفق القانون الإسرائيلي، من أجل ضمٍّ  تدريجي ولو غير معلن بداية لمنطقة “ج”، ثم للضفة كلّها، مع “تسمين” المستوطنات الحالية وربطها بعضها مع البعض الآخر،  والربط أيضاً مع البؤر العشوائية في عمق الضفة، لمنع التواصل البشري والجغرافي الفلسطيني، وقتل كلّ احتمال لإقامة دولة فلسطينية مستقلة متواصلة جغرافياً وقابلة للحياة بالمعنى الحقيقي للمصطلح في المستقبل، والقضاء عليه تماماً.

خطّة سموتريتش تترك بالمقابل التجمّعات السكانية فلسطينية معزولة غير متصلة فيما بينها إلا مواصلاتياً فقط، عبر طرق وجسور وأنفاق محاطة بالجيش والمستوطنات، وتلحظ الخطّة أيضاً خنق السلطة الفلسطينية والدفع إلى انهيارها، وهي تُقيم، أو تخلق، أو للدقّة تترك ستّة تجمّعات فلسطينية أساسية في طولكرم ونابلس وجنين والخليل ورام  الله وبيت لحم، تديرها بلديات محلية أقل حتى من الحكم الذاتي وأشبه بروابط القرى سيئة الصيت والفاشلة في ثمانينيات القرن الماضي، وطبعاً من دون القدس، التي يتولّى أمرَها حليفُه إيتمار بن غفير، ضمن إجماع صهيوني أساساً على تغيير معالمها وعزلها عن بقية الضفة الغربية وتكريس إقامة الفلسطينيين ومكانتهم فيها كمواطنين من الدرجة الثانية.

أما الجزء الثاني من خطة سموتريتش، وبعد الانتهاء من إنجاز الأول خلال فترة زمنية محدّدة بثلاث إلى خمس سنوات، فيشمل وضع الفلسطينيين في البانتونات والبلديات المعزولة كلٍّ منها عن الأخرى عزلاً شبه تامّ أمام ثلاثة خيارات أساسية:

– قبول الأمر الواقع مع مرتبة ودرجة إقامة دائمة مثل الفلسطينيين في القدس ولكن دون أي حقوق سياسية جماعية بل فردية، ومواطنين من الدرجة الثانية، وتحت السيطرة التامة للاحتلال الإسرائيلي، في فصلٍ عنصري موصوف ومعلن وغير مقنع حتى.

– تشجيع الفلسطينيين الرافضين للوقائع الجديدة على الهجرة الجماعية، مع تجميلها كي لا تبدو كترانسفير أو هجرة قسرية، بل طوعية وأقرب إلى إعادة التوطين، حسب المصطلح الحرفي الذي استخدمه سموتريتش في خطّته: RELOCATION.

أما من يرفض من الفلسطينيين الخنوع والاستسلام أمام الوقائع المفروضة بالقوة والقهر أو الهجرة الطوعية، فسيتولّى جيش الاحتلال أمره مثلما فعل في العام 1948، كما جاء حرفياً أيضاً في الخطة. ومن هنا يمكن فهم تصريح سموتريتش الأخير عن “حوارة” وإزالتها من الوجود، لكن رسمياً من قبل جيش الاحتلال لا المستوطنين، كما فعل الجيش نفسه ضد عشرات بل مئات القرى والبلدات والمدن في النكبة قبل 75 عاماً تقريباً.

ظروف مؤاتية لتنفيذ الخطة

بشروطه الائتلافية ابتزّ سموتريتش رئيسَ الوزراء زعيم الليكود رئيس الحكومة بنيامين  نتنياهو لإنقاذه من المحكمة مقابل إطلاق يده “سموتريتش” في الضفة الغربية وتعيينه وزيراً في وزارة الدفاع، وسيطرته ولو بشكل تدريجي على الإدارة المدنية ومستشاريها القانونيين ومنسقية شؤون الاحتلال وحتى الحاخامية العسكرية، والسعي إلى حلّ الإدارة  المدنية فيما بعد بشكل تامّ، لأنها تركّز بشكل أو بآخر، أو هي أساساً مظهر من مظاهر الاحتلال مع إشرافها على إدارة حياة المستوطنين، وإحالة شؤون هؤلاء كاملة إلى الوزارات الإسرائيلية المدنية المعنية، ما يعني ضمّاً فعلياً للضفة أو مناطق “ج” على الأقل ولو غير معلن بشكل رسمي، علماً أنه يتحدث عن ضمٍّ معلن فيما بعد، خاصة مع  خنق السلطة الفلسطينية ودفعها إلى الانهيار، حتى ولو أدّى الأمر إلى هزّة أو خدش في صورة إسرائيل ومكانتها الدولية، كما جاء حرفياً أيضاً في الخطة.

في السياق نفسه، يأتي تحالف سموتريتش السياسي مع زعيم حزب القوة “المنعة” اليهودية إيتمار بن غفير حتى مع فضّ التحالف الانتخابي الثلاثي بينهما رفقة حزب نوعام، ورغم الخلفية المختلفة لكلّ منهما إلا أنه جرى تقسيم الأدوار فيما بينهما، بحيث يتولّى سموتريتش شؤون الاستيطان، بينما يتولّى بن غفير ملفّ القدس – وأراضي 48 – وقمع الفلسطينيين من خلال شرطة حرس الحدود الخاضعة لسيطرته، في حالة امتناع الجيش لسببٍ أو آخر عن القيام بذلك.

في السياق نفسه، يأتي تحالف سموتريتش السياسي مع زعيم حزب القوة “المنعة” اليهودية إيتمار بن غفير حتى مع فضّ التحالف الانتخابي الثلاثي بينهما رفقة حزب نوعام، ورغم الخلفية المختلفة لكلّ منهما إلا أنه جرى تقسيم الأدوار فيما بينهما، بحيث يتولّى سموتريتش شؤون الاستيطان، بينما يتولّى بن غفير ملفّ القدس – وأراضي 48 – وقمع الفلسطينيين من خلال شرطة حرس الحدود الخاضعة لسيطرته، في حالة امتناع الجيش لسببٍ أو آخر عن القيام بذلك.

في السياق نفسه، يأتي تحالف سموتريتش السياسي مع زعيم حزب القوة “المنعة” اليهودية إيتمار بن غفير حتى مع فضّ التحالف الانتخابي الثلاثي بينهما رفقة حزب نوعام، ورغم الخلفية المختلفة لكلّ منهما إلا أنه جرى تقسيم الأدوار فيما بينهما، بحيث يتولّى سموتريتش شؤون الاستيطان، بينما يتولّى بن غفير ملفّ القدس – وأراضي 48 – وقمع الفلسطينيين من خلال شرطة حرس الحدود الخاضعة لسيطرته، في حالة امتناع الجيش لسببٍ أو آخر عن القيام بذلك.

 سموتريتش يسعى لاستغلال انشغال العرب بأنفسهم وأزماتهم الداخلية، وهرولة البعض منهم للتطبيع مع الدولة العبرية، وسعي البعض الآخر للحصول على الشرعية منها، أو على مساعدة سياسية اقتصادية مباشرة أو عبرها من الولايات المتحدة، لمواجهة إيران وأدواتها ومشروعها الإقليمي التوسّعي، من خلال اتصالات سرية وتطبيع ناعم غير معلن.

يجب الانتباه إلى أمر مهمّ جداً لا ينال حظه من الاهتمام، يتمثل بكون خطة سموتريتش مرتبطة تماماً بما يجري في الداخل الإسرائيلي، وبالتأكيد هي ليست منفصلة عمّا بات يُعرف بالانقلاب القضائي، الذي يهدف إلى خدمة نتنياهو وإنقاذه من المحكمة وسجنه، وبالحدّ الأدنى إنهاء حياته السياسية، وبالتالي خروجه من الباب الخلفي للتاريخ على عكس ما يعتقده هو عن نفسه.

وبالتأكيد لا يمكن تنفيذ خطة الحسم للصراع مع الفلسطينيين من دون هذا الانقلاب القضائي. لأن العلاقة واضحة بينهما وفق الاتفاق الائتلافي، كما لمنع المحكمة العليا أو أي جهة أخرى من التدخل في السياسات غير القانونية والعنصرية حتى وفق القانون الإسرائيلي، وبضمن ذلك شرعنة البؤر العشوائية الاستيطانية المقامة على أراضٍ فلسطينية خاصة، مثل أفاتار على جبل صبيح قرب حوارة نفسها بنابلس.

 تبدو المعادلة هنا واضحةً جليّة، وتتمثّل بإنقاذ نتنياهو، مقابل ترك سموتريتش وبن غفير وإطلاق أيديهما في الضفة الغربية، مع صلاحيات واسعة حتى لو حصلا عليها بشكل تدريجي، ولكن ضمن الاتفاق الائتلافي نفسه، ومن ذلك تشريع 9 بؤر استيطانية عشوائية ضمن 70 – واردة ضمن الاتفاق الائتلافي مع بن غفير شخصياً – وبناء أكثر من 10000 وحدة استيطانية جديدة، واستيعاب وهضم الإنجاز، ثم الانتقال إلى مرحلة أخرى أو هدف آخر.

من هنا أيضاً يمكن فهم رد فعل سموتريتش تجاه اجتماع العقبة الأخير على علّاته، فهو غير معنيّ أو غير مهتمّ، ولا يعرف، سوى أن لا تجميد أبداً للاستيطان، وكما عبّر حليفه بن غفير حرفياً: “ما كُتب في العقبة سيبقى هناك”، بمعنى أن الذهنية الحاكمة هي نفسها على جانبي الخط الأخضر – خط حزيران (يونيو) 1967 الذي يريد سموترتيش محوه.

من هنا أيضاً يمكن فهم رد فعل سموتريتش تجاه اجتماع العقبة الأخير على علّاته، فهو غير معنيّ أو غير مهتمّ، ولا يعرف، سوى أن لا تجميد أبداً للاستيطان، وكما عبّر حليفه بن غفير حرفياً: “ما كُتب في العقبة سيبقى هناك”، بمعنى أن الذهنية الحاكمة هي نفسها على جانبي الخط الأخضر – خط حزيران (يونيو) 1967 الذي يريد سموترتيش محوه.

 وعلى الجمهور الإسرائيلي أن يفهم أن لا ديموقراطية مع الاحتلال. والانقلاب القضائي لسموتريتش وحلفائه له وجه آخر في الضفة الغربية وبضمنها القدس لا يمكن السكوت عنه عبر مقاربات وخطط السلام الاقتصادي، وإدامة الواقع الراهن، وإدارة الصراع أو تقليصه الذي استفاد منه وبنى عليه سموتريتش من خلال استغلال رفض تسوية الحد الأدنى التي قبلتها سلطة رام الله، وترويج رواية لا شريك فلسطينياً، ومصطلحات إدارة الصراع وتقليصه والسلام الاقتصادي. والاستنتاج أن الفرصة باتت مؤاتية لحسم الصراع نهائياً كما يتضح من عنوان الخطة.

موانع الخطة وكيفية مواجهتها فلسطينياً

ثمة موانع عديدة داخلية وخارجية أمام خطة سموتريتش؛ أولها أنها مرتبطة بالانقلاب القضائي الذي يواجه ممانعة شعبية عنيدة، حفاظاً على استقرار الدولة العبرية وإخفاء طبيعتها ككيان استعماري يمارس نظام فصل عنصري، وترسيخ الزعم أنها واحة متقدمة للديموقراطية والحضارة المتنورة، ولذلك تنال الدعم الغربي الأمريكي الأوربي “الرسمي” على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية.

 هناك موانع خارجية إقليمية ودولية أمام “خطة سموتريتش”، تتمثل باستحالة التطبيع أو الحفاظ على علاقة دافئة مع الدول العربية حتى وفق أشدّ نماذج التطبيع مهرولة، في ظل السعي المستمر لتنفيذها بالقوة الجبرية، ورفض واسع لقوى إقليمية ودولية متنفّذة لا تريد الانشغال بالقضية الفلسطينية وإبقاء الواقع الراهن فيها تحت السيطرة بحيث لا يفيض خارجياً.

 أما أهمّ الموانع فلسطينياً فهي بالتأكيد ما يجسّده نموذج حوارة نفسه، بمعنى الصمود والمقاومة بكلّ أشكالها حتى المسلحة منها تحديداً الفردية – أكثر جدوى ونجاعة وأقل كلفة – بينما تبدو المقاومة الشعبية متاحة ومجدية كما في نماذج جبل صبيح وبرقة وبلعين ونعلين والقدس وأحيائها العتيقة، ولإظهار الصراع على حقيقته مع سموتريتش والمؤسسة الإسرائيلية الاستعمارية بشكل عام.

من هنا لابد من الانتباه الى ضرورة الحفاظ على السلطة الفلسطينية من أجل القيام بواجباتها لإدارة الصراع  مع الخطة والاحتلال سياسياً ودبلوماسياً وشعبياً، وهي بالتأكيد غير قادرة راهناً على القيام بالمهمة بل المهام الجسام، في ظل استبدادها وفسادها وترهلها وافتقادها للشرعية والثقة الشعبية اللازمة والضرورية للاصطفاف خلفها ودعم خياراتها وسياساتها وتنفيذ توجيهاتها وتعليماتها، ما يعنى حتمية إصلاحها وإجراء انتخابات شاملة تفرز قيادة مغايرة شرعية ديموقراطية منتخبة موثوقة نقية من الاستبداد والفساد، أو التفكير الجدي في حلّها، ولكن بعيداً عن ذهنية إلقاء المفاتيح على الطاولة، وبالتأكيد ليس كما يريد سموتريتش، وإنما ضمن استراتيجية وطنية جامعة، لإجبار الاحتلال على تحمّل المسؤولية في مواجهة الشعب الفلسطيني مباشرة دون حواجز أو سواتر وأقنعة.

الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق