مقالات بحثية

مقهى اسطنبول في لقائه الأول

“أغلب من نظَّر لمسيرات العودة منذ سنوات كان يتناولها كخيارٍ استراتيجيٍ وليس سلوكًا تكتيكيًا” بهذا استهلّ د. نهاد الشيخ خليل -الأكاديمي والباحث في التّاريخ- حديثهُ، ثم تطرق الى السياق التاريخي لنموذج “الخيار الجماهيري” الذي توج بمسيرات العودة بصورتها الحاليّة، مشيرا الى أبرز المحطات والتجارب والفعاليات الشعبية والأكاديمية، والتي لم تكن مقتصرة على الداخل الفلسطيني فحسب، بل تمثلت أحيانا بمبادرات من خارج الأرض المحتلّة.

جاء ذلك في إطار حلقةٍ نقاشيةٍ تحت عنوان: “مستقبل المقاومة الشعبيّة في فلسطين: مسيرات العودة نموذجاً”، والتي عقدت مساء الثلاثاء ضمن سلسلة حلقات “مقهى اسطنبول”، في محاولة لتعزيز حوارٍ مستدامٍ للنشطاء الفلسطينيين في مناطق الشتات المختلفة. وبالرغم من حالة التشتت التي يعيشها الفلسطينيين، والتي تجعل من الصعب عليهم الاجتماع بشكل مباشر، عبرت هذه الفعالية عن الارادة المتجددة للفلسطينيين للاجتماع في غرفة واحدة متجاوزين كافة التقسيمات التي يفرضها الاحتلال عليهم.

في سياق الحديث عن المقاومة الشعبية، قدّمت رلى أبو دحّو -أسيرة محرّرة ومحاضرة في جامعة بيرزيت- قراءةً موسعةً لأسباب تراجعها في الضفة الغربية، والعوامل التي أدّت لاختلاف أنماطها بين مختلف مناطق تواجد الفلسطينيين، في ظل تأكيدها على عدم الاعتراف بالتّقسيم الجغرافي المفروض بأمر الواقع عليهم. كما أشارت لعدد من الحراكات النّشطة في الأرض المحتلة عام ١٩٤٨ كحراك “أرفض” المناهض للمحاولات الاحتلالية تجنيد الشباب العرب ضمن صفوف جيش الاحتلال الصهيوني، مع تأكيدها الشديد على ان هذا النمط من الفعاليات جزءا لا يتجزأ من نضالات الشعب الفلسطيني الواحد في وجه الاحتلال، وشكلا أساسيا من أشكال النضال المتعددة التي يمارسها الشباب الفلسطيني على اختلاف نقاط انتشاره.

كما تطرقت لواقع الفعل الجماهيري في الضفة الغربية من وجهة نظر ناقدة للسلوك الأمني الممارس من قبل الاجهزة الأمنية الفلسطينية في التعاطي مع هذا النوع من الحراكات كما جرى في حراك “ارفعوا العقوبات عنّ غزّة” من جهة، بالإضافة الى احتجاجها من جهة أخرى على ما يطال الحراكات الجماهيرية من قبل أجهزة الأمن في قطاع غزة، كمظاهر القمع والتشهير التي لحقت بالمشاركين في الفعالية الجماهيرية الاحتجاجية ضد الغلاء.

من جهته داخل الباحث ابراهيم المدهون -رئيس مركز أبحاث فلسطين للدراسات والأبحاث- عبر طرحه لسؤال: “ماذا كان سيحدث لوّ لمّ تحدث مسيرات العودة وكسر الحصار؟”، وأوضح خلال اجابته عن هذا التساؤل خطورة الخيارات التي كانت أمام قطاع غزّة، محاولًا التعريج على الأخطاء التي واجهتها ، وخاتمًا مداخلته بانجازات المسيرات والتي أفضت لتفاهمات طرأت على اثرها تحسينات على الحياة المعيشية للمواطنين في غزة.

من ناحية أخرى، قدّمت المقدسية شيرين الأعرج وجهة نظرها حول المقاومة الشعبية في سياق الحديث عن السلوك الاستعماري في القدس والمتمثل في فرض المزيد من القيود والضغوط على المقدسيين كعامل أساسي في صناعة هذا الفعل المقاوم. منوهة للدور الذي يلعبه المسجد الأقصى، لا بصفته الدينية فحسب، ولكن بدوره كأهمّ وأبرز المعالم المعبرة عن فلسطينية المدينة. أما في سياق حديثها عن مسيرات العودة، فقد أكدّت أنّ الخطر الأساسيّ الذي يتهدد أيّ حراكٍ جماهيريٍ هو غياب البرنامج السياسيّ، مشيرة الى افتقار مسيرات العودة لبرنامج سياسي متفق عليه. بالإضافة لما سبق فقد عبرت مها سلامة – مهندسة فلسطينية – عن حالة عدم رضى نتيجة لغياب الجهود الموجّهة لتعزيز الوعي بحقّ العودة.

وقد خلص اللقاء برسائل مختلفة أهمها رسالة المشاركين من قطاع غزة المحاصر أن “تحرّكوا، أهلكم محاصرون”. أما صوت المشاركين من رام الله فكان واضحًا في التأكيد على وجوب التخلّي عن الرهانات السلطويّة أيّا كان لونها، والانحياز للجماهير وخياراتها المؤيّدة للمقاومة بكافة أشكالها.

في المقهى العربي الذي استضاف اللّقاء، سرعان ما تحوّل ارتباك البداية لأُلفة بين البعض الوافد حديثاً من قطاع غزًة، وفلسطينيون يقيمون منذ سنواتٍ في إسطنبول. وقد أنهى المشاركين نقاشاتهم مع ابداء رغبتهم بالمشاركة في لقاءاتٍ أخرى، ومنح مساحاتٍ أوسع للنقاش على حساب المداخلات الطويلة. الأمر الذي يكشف حالة من التعطش للحديث في الشأن العام والقضايا السياسية بين أوساط الناشطين السياسيين بالرغم من حالة الاكتظاظ في منابر السياسة والصخب الاعلامي المحيط بها، مما يظهر حقيقة بحث الجمهور الفلسطيني عن موضعٍ لحديثٍ بينهم، وصفه أحد المشاركين بـ “طريقٍ للشعب”، بعيدا عن حصر القضية بما يرتبط بثنائية حماس وفتح.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق