غير مصنفمقالات بحثية

ورقة بحثية حول: الهجرة العكسية من إسرائيل وأزمة استثمارات العقارات في قبرص

2023–2025

عدنان القصاص | باحث في العلاقات الدولية والدبلوماسية
10 يوليو 2025م

تشهد إسرائيل منذ اندلاع حرب أكتوبر 2023 تغييرات تدريجية في التكوين السكاني نتيجة تصاعد موجة “الهجرة المعاكسة”، خصوصًا من قبل الصفوة الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت تبحث عن ملاجئ أكثر أمنًا واستقرارًا. يرافق هذا النزوح تزايد ملحوظ في استثمارات الإسرائيليين في سوق العقارات القبرصية، ما يثير تساؤلات حول دلالات هذا التوجه وتأثيره على الأمن الإقليمي والسيادة القبرصية، وعلى مشروع الدولة الإسرائيلية ذاته.


أولًا: ما بعد السياق الأمني والسياسي 2023

أفضى هجوم 7 أكتوبر 2023 إلى زعزعة التركيبة الأمنية والنفسية للمجتمع الإسرائيلي، إذ أظهرت الوقائع ضعف المنظومة الأمنية وقدرة المقاومة الفلسطينية على اختراق العمق الإسرائيلي. ووفقًا للمعطيات الصادرة عن الصحافة الإسرائيلية، فقد شهدت الفترة ما بين أكتوبر 2023 ومنتصف 2024 رحيل عشرات الآلاف من الإسرائيليين دون رجعة، وبلغت نسبة الهجرة العكسية ارتفاعًا غير مسبوق منذ عقدين.

وصلت طلبات الهجرة إلى ذروتها بعد الحرب مباشرة، خاصة نحو دول الاتحاد الأوروبي، وتحديدًا قبرص وكندا. وتشير تقديرات إلى خروج نحو 83,000 إسرائيلي في عام 2024 وحده، مقابل عودة محدودة لا تتجاوز 23,800 فقط، مما يخلق تغييرًا ديموغرافيًا ثقافيًا يتفوق على 18,000 شخص.


ثانيًا: العقارات في قبرص كملاذ آمن بديل

يبدو أن جمهورية قبرص أصبحت وجهة أساسية للنخبة الإسرائيلية، ليس فقط كسوق استثماري، بل كموقع استراتيجي للفرار العاجل عند الحاجة. وهنا يجدر الإشارة إلى أن قبرص تقع على بعد ساعة طيران فقط من تل أبيب، وتتمتع بعضوية الاتحاد الأوروبي، وتُيسر قوانينها شراء الأجانب للعقارات.

تشير التقارير إلى أن الإسرائيليين باتوا من بين أكبر المشترين الأجانب للعقارات في لارنكا وليماسول وبافوس، ما دفع حزب AKEL القبرصي إلى التحذير مما وصفه بـ “الاستيطان الصامت” وتهديد السيادة الوطنية. بينما تمضي بعض التحليلات إلى أبعد من ذلك، معتبرة أن الانتشار الإسرائيلي في السوق العقاري القبرصي قد يمثل شكلًا جديدًا من أشكال “البنية الخلفية” للدولة، يُستخدم في حال تفاقم الأزمات الإقليمية.


النتائج

إن طوفان الهجرة العكسية من إسرائيل، المتزامن مع التمدد العقاري في قبرص، يكشف عن أزمة مركبة: أزمة ثقة داخل إسرائيل، وإشكالية سيادة في قبرص، وأزمة هيكلية في المشروع الصهيوني نفسه. وتدل هذه المؤشرات على أن النزاع في المنطقة لم يعد مقتصرًا على الساحة الميدانية، بل يمتد إلى الجغرافيا السكنية والاقتصادية، بما يهدد بإعادة تشكيل الخرائط الاجتماعية في شرق المتوسط.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق