أوراق سياسيةوجهات نظر

المجلس المركزي و”حسين الشيخ” والمطالب الإقليمية

مع اختيار “حسين الشيخ” نائباً للرئيس محمود عباس”، ثارت التساؤلات حول مستقبل شكل البيت الفلسطيني وقدرته على التعافي من المشكلات المزمنة والبدء في ترتيبات جديدة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وفي هذا التقرير، لاتجاهات الفلسطينيين إزاء قرار المجلس المركزي فيما يخص الأثر على منظمة التحرير والمؤسسات الأخرى وقدرتها على الوصول للتوافق أو الإجماع. كما تناول الموقف الإسرائيلي من قرار اختيار “الشيخ”، وأشار فيه لوجود حالة ركود في رد الفعل الإسرائيلي رغم أنه يمثل خياراً مقبولاً، ما يرجح عدم تغير السياسة الإسرائيلية تجاه الضفة الغربية أو في أي مكان أخر. وفي المستوى الإقليمي، استعرض التقرير استجابة المجلس المركزي للبيئة العربية والإسلامية، وهذا من جهة الحوار الوطني ومسار الدولة الفلسطيني، بالإضافة لترتيب البيت الفلسطيني

أولاً: التحديات المحتملة لفترة ما بعد تعيين حسين الشيخ

تولى حسين الشيخ منصب نائب الرئيس لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بُعيد استحداثه بقرار من المجلس المركزي، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام نقاشات داخلية على المستوى الفلسطينية حول مدى قدرة حسين الشيخ على تعزيز الاستقرار السياسي بوصفه الهدف المعلن خلال فترة ما بعد عباس، لا سيّما في ظل حاجته الماسّة إلى الترسيم التشريعي داخل بنية السلطة الفلسطينية من جانب، والتحديات المتعلقة بتأزم الوضع الفلسطيني العام على مستوياتٍ عدة.  

ورُغم مجيء القرار في سياق مساعٍ إقليمية ودولية لتفادي الفراغ السياسي والقيادي المحتمل بعد غياب الرئيس عباس، إلا أن قرار تولي حسين الشيخ قد يؤدي إلى تداعيات معقدة على البنى السياسية الفلسطينية، خاصةً مع افتقاره إلى القاعدة الشعبية والأرضية القانونية اللازمتين لترسيخ نفوذه في قيادة مرحلة ما بعد عباس، عدا عن عدم توافر الدعم الفصائلي الأساسي لقيادته، مما يشير إلى تداعياتٍ محتملة على المشهد الفلسطيني العام خلال المرحلة المقبلة. وفي هذا السياق، يسعى هذا التقرير إلى مناقشة التحديات الداخلية على المستوى الفلسطيني التي قد يواجه حسين الشيخ في ترسيخ نفوذه. 

اشكاليات التشريع الدستوري

رُغم ما يُروّج له على نطاقٍ واسع من أن تعيين حسين الشيخ نائباً للرئيس يمهد الطريق له لخلافة عبّاس، إلا أن التعيين أثار تساؤلاتٍ جدلية حول تحديات التشريع الدستوري، مما عزّز من غموض مستقبله في قيادة مرحلة ما بعد عبّاس. حيث يواجه تحديات تتعلق بالإطار القانوني الخاص بتكليف رئيس المجلس الوطني روحي فتوح مهام الرئاسة حال بعد غياب غباس لمدة 60 يوماً، يجري خلالها انتخابات رئاسية، وهو ما قد يشكّل عائقاً قانونياً أمام تولي الشيخ زمام الأمور في السلطة مباشرة بعد وفاة عباس، فهو نائب الرئيس منصب مستحدث لا يتمتع بغطاءٍ قانوني يمنحه الخلافة المباشرة. 

ومن جانبٍ آخر، قد تشهد الفترة الانتقالية بعد عباس نزاعاً واسعاً على الصلاحيات، بين الشيخ وفتوح، بسبب عدم وضوح طبيعة الصلاحيات الموكلة لنائب الرئيس (حسين الشيخ)، لا سيّما وأن قرار التعيين جاء في سياقٍ نصي يُشير إلى معاونة الرئيس في أداء مهامه، دون أي تضمينٍ صريح لطبيعتها، وهو ما يجعل الأمر مبهماً قد يدفع الشيخ إلى اعتبار نفسه الأجدر على قيادة مرحلة ما بعد عباس بحكم نيابته له، وما يُعزّز طموحه في ذلك محاولاتُه لتعزيز نفوذه داخل حركة فتح.

التحديات التنظيمية داخل حركة فتح: 

رُغم القبول الضمني للتعيين من قبل اللجنة المركزية، إلا أنه لا يُخفى على أحدٍ طبيعةُ الديناميكيات الداخلية وتوازنات التيارات التقليدية في البنية التنظيمية لحركة فتح، بحيث تُشير بعض التقارير إلى وجود حالة اعتراض مكتوم على تولي الشيخ منصب نائب الرئيس، لا سيّما أوساط القيادات التقليدية، وهو ما يظهر في تصريحات المؤيدين لهذه الأقطاب من حركة فتح. ومع ذلك لا يمنع أن تكون بعض هذه التقارير اقرب للتكهنات أكثر منها انعكاس دقيق للواقع الفتحاوي.

وقد أعاق تأجيل المؤتمر الثامن لحركة فتح — وهو المنبر التنظيمي الأساسي لإعادة هيكلة القيادة — أي حسم داخلي لموقع الشيخ داخل الحركة، ما قد يدفعه إلى تسريع خطواته في المرحلة المقبلة لفرض حضوره التنظيمي بوسائل غير توافقية، وهو ما ينذر باحتمال ظهور انقسامات علنية داخل فتح، خاصة إذا استشعرت تيارات فاعلة أنها تُهمّش لصالح تعزيز حضور الشيخ. خصوصاً اذا وفرت “اسرائيل” المتحكم بالبيئة الأمنية في الضفة الغربية قوة دفع لهذه التوترات الداخلية.

ومن المتوقع أن تُعوّل تلك القيادات الطامحة لخلافة عباس أو الرافضة لتولي حسين الشيخ على التوازنات التنظيمية داخل حركة فتح، بحيث تبقى هي المحرك الرئيسي لإفشال مخططات الشيخ في قيادة مرحلة ما بعد عباس، خاصةً وأن تحديد صلاحيات نائب الرئيس من شأنه أن يُبقي الأمر في إطاره الدستوري، بما يدفع نحو تولي روحي فتوح ما لم ينجح الشيخ في إقصائه عن المشهد. 

المواقف الفصائلية من تعيين نائب للرئيس: بين التحفظ السياسي وأزمة الثقة

شهدت الساحة الفلسطينية تباينًا في ردود الفعل الفصائلية تجاه قرار تعيين نائب للرئيس، حيث عبّرت معظم الفصائل عن تحفظها على الخطوة، لأسباب متصلة بآلية اتخاذ القرار من جهة، وقد ركزت بعض الفصائل على غياب مسار تشاوري جامع، واعتبرت القرار تجاوزًا لمبدأ التوافق الوطني، والجدوى من الخطوة في سياق التداعيات السلبية المحتملة على مسألة مبدأ الشراكة الوطنية.

كما أن فصائل أخرى – خصوصًا تلك التي لا تنضوي تحت مظلة منظمة التحرير – أبدت رفضها استنادًا إلى اعتبارات أيديولوجية وتاريخية تتعلق بموقعها خارج البنية السياسية الرسمية، معربة عن شكوكها في مدى أهلية الشخصية المُعيّنة وقدرتها على تمثيل الطيف الوطني بمختلف مكوناته.

وقد اعتُبر القرار من قبل هذه الأطراف إجراءً أحادياً، اتسم بغياب التأسيس القانوني والدستوري الكافي، وساهم – بحسب وجهة نظرها – في تعزيز مظاهر الانقسام داخل النظام السياسي الفلسطيني، بدلاً من أن يشكل خطوة نحو معالجته أو تجاوزه.

وترى العديد من الفصائل الفلسطينية أن تعيين حسين الشيخ سيكون له تداعيات سلبية تجاه استمرار الحوار الوطني الداخلي، لا سيّما وأنه قد يتجه إلى المسار الأمني لترسيخ نفوذه خلال الفترة المقبلة نظراً لما يتمتّع به من تأثير  على الأجهزة الأمنية، على عكس التيارات التقليدية في داخل حركة فتح، وعلى رأسهم جبريل الرجوب. 

وأما على المستوى الشعبي، يواجه حسين الشيخ تحديات تتعلق بالصورة السلبية الراسخة في وعي معظم فئات المجتمع الفلسطيني على نطاقٍ واسع، بسبب التنسيق الأمني وعلاقاته الواسعة مع الاحتلال، من خلال رئاسته لهيئة الشؤون المدنية، وهو ما أضر بشعبيته وجعله يفتقر إلى قاعدة جماهيرية ترسّخ سلطته، مما قد يدفعه إلى الاعتماد على نفوذه في الأجهزة الأمنية لتدعيم موقعه.  

على المستوى الشعبي، يواجه حسين الشيخ تحديات مرتبطة بصورة سلبية ترسخت لدى شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني، تعود بشكل أساسي إلى ارتباطه بملف التنسيق الأمني المدني بشكل خاص وعلاقاته الواسعة مع الجانب الإسرائيلي من خلال موقعه على رأس هيئة الشؤون المدنية. وقد انعكست هذه الصورة على محدودية شعبيته، وضعف حضوره الجماهيري. وفي ظل هذا الواقع، يُحتمل أن يسعى إلى تعزيز موقعه من خلال الاعتماد على شبكات النفوذ داخل داخل الضفة الغربية.

ثانياً: مستقبل العلاقة بين حسين الشيخ و”إسرائيل” 

خلافًا للتحديات الداخلية التي من المتوقع أن تواجه حسين الشيخ عقب تعيينه نائبًا لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية، بموجب نتائج اجتماع المجلس المركزي المنعقد في 24 أبريل 2025، يبقى مستقبل علاقته مع الجانب الإسرائيلي في حال توليه منصب الرئاسة خلفًا للرئيس محمود عباس موضع اهتمام وتساؤل فلسطيني. وتتناول هذه الورقة هذا البُعد في سياق استمرار سيطرة اليمين على القرار السياسي الإسرائيلي.

حلقة الوصل بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل

رغم اقتصار العلاقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل خلال السنوات الأخيرة على التنسيق الأمني، فإن تعيين حسين الشيخ قوبل بفتور ملحوظ في وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلا أن ذلك لا يعكس بالضرورة طبيعة العلاقة الفعلية. فخلال مسيرته السياسية، حظي الشيخ بدعم أوساط داخل النخبة السياسية الإسرائيلية، والتي نظرَت إليه باعتباره شخصية فلسطينية براغماتية، قادرة على إدارة العلاقات مع إسرائيل في ظل مختلف الظروف. ويُعزى هذا الانطباع إلى دوره الطويل في رئاسة هيئة الشؤون المدنية، الذي جعله فاعلًا رئيسيًا في إدارة عدد من الملفات ذات الطابع اليومي والمعيشي بالنسبة للفلسطينيين، بما في ذلك تصاريح الحركة، والتنسيق المالي المرتبط بعائدات المقاصة.

وقد ساهم هذا الموقع الوظيفي في تعزيز علاقته بالرئيس محمود عباس، كما عزز من موقعه داخل حركة فتح، حيث استطاع تجاوز عدد من المنافسين المحتملين على قيادة الحركة. ويُشار إلى أن بعض التصريحات الإسرائيلية قد وصفت الشيخ، في هذا السياق، بأنه “الرجل المناسب في رام الله”، في إشارة إلى قدرة إسرائيل على التعامل معه بوصفه شريكًا معروفًا.

من جهة أخرى، فإن الضغوط الإسرائيلية والإقليمية على القيادة الفلسطينية بشأن إصلاح المؤسسات الداخلية لم تكن طارئة، بل جاءت ضمن مسار تدريجي من الخطوات السياسية والإدارية، كان من أبرز نتائجها وصول الشيخ إلى موقعه الحالي. وينظر بعض المراقبين إلى هذه الخطوة باعتبارها تمهيدًا محتملاً لتوليه منصب الرئاسة الفلسطينية مستقبلًا، في إطار رؤية إقليمية ودولية تهدف إلى ضمان انتقال سياسي منظم داخل النظام الفلسطيني.

التحولات الأمنية والسياسية المحتملة في الضفة الغربية بعد تعيين الشيخ

تشير الإجراءات العسكرية والأمنية التي تنفذها إسرائيل في شمال الضفة الغربية وقطاع غزة إلى توجّه نحو إعادة تشكيل البيئة السياسية الفلسطينية، ضمن مساعٍ لإحداث تغييرات واسعة في بنية السلطة وموقعها الوظيفي. ويترافق ذلك، بحسب مراقبين، مع تقليص تدريجي لصلاحيات السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس في الضفة الغربية، بما يفرض – فعلياً – إعادة هندسة شكل القيادة السياسية الفلسطينية، على نحو يتماشى مع تصورات إسرائيلية وأميركية لإدارة المرحلة المقبلة.

رغم أن الإدارة الأميركية لا تُظهر معارضة صريحة لاستمرار الرئيس محمود عباس في موقعه، فإن بعض التحليلات تشير إلى أن حالة الغموض المحيطة بمسألة الخلافة تثير قلقًا لدى دوائر صنع القرار في واشنطن، لما قد تتركه من أثر على القدرة على إدارة العلاقة مع الطرف الفلسطيني في المستقبل.

في هذا السياق، يُنظر إلى الدفع باتجاه بروز شخصيات جديدة في الواجهة السياسية، لا باعتبارها بدائل مباشرة لسياسات الرئيس الحالي، بل كجزء من ترتيبات تهدف إلى الحفاظ على استمرارية مسار التفاهمات الأمنية والإدارية من جهة، ومن جهة أخرى إلى تكريس نمط جديد من العلاقات الفلسطينية–الإسرائيلية، يقوم على ما يُعرف بـ”الإدارات المدنية” للمناطق الفلسطينية، وفقًا للخصائص الديمغرافية والجغرافية لكل منطقة.

ويُفهم من هذا التوجه أنه يسعى إلى إعادة تعريف الكيانات الفلسطينية، ليس ككيانات سياسية سيادية، بل كمجرد إدارات محلية أو خدماتية لا ترقى إلى مستوى الكيان السياسي الموحد. وهو ما يتقاطع – من وجهة نظر بعض المراقبين – مع الوقائع الميدانية الجارية في الضفة الغربية، لاسيما تلك المتعلقة بتثبيت سياسة “الضم الزاحف” وتفكيك وحدة الأرض والسيادة تدريجيًا، من دون الحاجة إلى إعلان سياسي رسمي بذلك.

وفي هذا السياق، يبرز حسين الشيخ بوصفه أحد المرشحين الأبرز للعب هذا الدور، خاصة في ظل موقعه في قيادة التنسيق المدني والأمني مع الجانب الإسرائيلي، ودوره في إدارة عدد من الملفات الحيوية. ورغم تصريحاته الإعلامية الرافضة للإجراءات الإسرائيلية وضم الضفة الغربية، تشير مواقف سابقة له إلى تفضيل نهج الحفاظ على التفاهمات القائمة والابتعاد عن أي مواجهة مباشرة أو خيارات تصعيدية. كما لا يتبنّى الشيخ مقاربة تتضمن أدوات مقاومة، وإنما يشير أحيانًا إلى إمكانية العودة إلى مسارات سياسية ما قبل اتفاق أوسلو، دون توضيح ما إذا كان ذلك يرتبط بتصورات بديلة أو مجرد محاولة لاستيعاب الوضع القائم.

وفي هذا الإطار، تُقرأ العلاقة بين الشيخ والمؤسسة الإسرائيلية ضمن سياق أوسع من التفاهمات الإدارية والأمنية، حيث تسعى بعض الأوساط داخل إسرائيل إلى تعزيز موقعه السياسي، من خلال تقديم تسهيلات مالية أو ميدانية للسلطة الفلسطينية عبر القنوات التي يشرف عليها بشكل مباشر . ويُنظر إلى هذا الدعم كجزء من ترتيبات مرحلية تهدف إلى تقليص المعارضة الفلسطينية الفاعلة لمشاريع الضم أو لتكريس الوضع القائم في الضفة الغربية.

ثالثاً: تعيين الشيخ كجزء من استجابة المركزي للمحيط العربي والإسلامي

يأتي قرار المجلس المركزي بتعيين نائب لرئيس الدولة في سياق مطالب الدول العربية والإسلامية بإجراء تحديث في المؤسسات الفلسطينية، تكون مهمته سد أي فراغ محتمل في الشرعية الوطنية.

وبغض النظر عن هوية شاغل المنصب الجديد، كانت تعليقات الكثير من الدول المعنية في اتجاه دعم وتأييد البيان الختامي للمجلس المركزي، وهو ما يتضح في البيانات الصادرة من مصر، السعودية وتركيا والأردن وبعض الحكومات الأخرى.

لم تقتصر هذه البيانات على دعم اختيار “حسين الشيخ”، ولكنها أنعشت الآمال في إجراء المزيد من التصحيح والمراجعة في البيت الفلسطيني الداخلي استعداداً لمسار تنفيذ حل الدولتين. في الوقت الراهن، يعكس توافق الدول على اختيار النائب الجديد رغبة في تراص خطوط الدفاع الفلسطينية تجاه استحقاقات وقف الحرب ومرحلة إعادة الإعمار. فاختيار “الشيخ” لا يمثل بحد ذاته، الحل المثالي للانقسامات الداخلية في الحركة الوطنية أو الحل المناسب لاختلاف المواقف من منظمة التحرير، ولكنه يوضح أنه لدى الفلسطينيين القدرة على الاستجابة للتحديات الخارجية وتطويعها مرحلياً لمصلحة القضية.

وهنا، يأتي استحداث منصب نائب الرئيس في سياق معالجة جزئية لتكلس المؤسسات وضعف مرونتها أمام تتابع التغيرات الداخلية والخارجية مع توفير السياق المناسب لبقاء حيويتها. وفي هذا السياق، أشار البيان الختامي لأهمية لمبدأ جماعية القرار باعتباره الحامي للوحدة، وخصوصاً ما يرتبط بقرار الحرب والسلام والتفاوض، بحيث تكون نتائجها ضمن المسؤولية المشتركة

وفي هذا النطاق، تبنت التعليقات والاتصالات العربية مواقف شاملة، لا استثناء فيها لأي طرفٍ فلسطيني، حيث وازنت ما بين مرحلية التعديلات في هيكلية المنظمة وضرورة إجراء الحوار الوطني لاستكمال التعديلات اللازمة لمرحلة ما بعد الحرب. وقد وجدت هذه الرغبة ضالتها في استجابة البيان الختامي لمطلب الحوار الوطني، ووفق أهداف لا تقتصر على تفاهمات الفصائل، ولكنها تشمل الطريق لوحدة الأرض والشعب، بحيث تمثل منظمة التحرير الشعب الفلسطيني، وأن يؤدي الحوار لحل سياسي يؤدي للدولة الفلسطينية المستقلة وعلى أرضية المقاومة الشعبية السلمية.

وفيما يتعلق بالموقف من المقاومة، أشار البيان الختامي لأهمية المقاومة الشعبية السلمية باعتبارها الوسيلة المثلى لتحقيق الأهداف الوطنية، وهي تشمل التفاوض حول الحقوق الوطنية المتعلقة بالدولة وحق العودة، والاستناد لدعم المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية لوضع حد لجرائم الاحتلال بحق المعتقلين

وكان لافتاً، حديث البيان الختامي لاجتماع المجلس المركزي عن وحدة السلاح، ما يحمل مفهوم الهدف المشترك والوحدة دون الحديث عن نزع السلاح، وهي نقطة متطورة يمكن البناء عليها في استعادة السلاح الوطني على أرضية تفاهم الفصائل على أولويات المرحلة القادمة.

وفي هذا السياق، توافقً للبيان الختامي وكلمة رئيس الدولة ومنظمة التحرير مع السياسة الإقليمية في صياغة ملامح الخطاب الفلسطيني تجاه القضايا المختلفة. في المقام الأول، ركز على مسؤولية إسرائيل عن الإبادة الجماعية، وفي المقام الثاني، كانت المطالب ضمن المواقف العربية ـ الإسلامية بإقامة الدولة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك على أرضية السلام العادل. 

كان تلاقي توجهات المجلس المركزي مع الدول العربية واضحاً في حديث البيان الختامي عن مسار التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، وكذلك دعم فتوى محكمة العدل الدولية بإنهاء الاحتلال خلال سنة، للتقارب مع الجهود الدولية لفتح آفاق الحل السياسي للقضية الفلسطينية. وفي هذا السياق، ظهر تماثل موقف المجلس المركزي مع خطوات الدول العربية في الحشد الدولي لأجل تنشيط المطالب والحجج الفلسطينية، فلم يتخذ المجلس موقفاً صدامياً مع الأطراف الدولية، بل كان أكثر تثميناً للدور الأوروبي والدول الإسلامية، بشكل يُعضد بناء مساحة واسعة من الدعم والإسناد السياسي.

خلاصة

على المستوى الداخلي، قد يمهد تعيين حسين الشيخ نائباً للرئيس لظهور الأزمات داخلية مؤجلة، إذ يفتقر التعيين إلى التوافق الوطني والغطاء الشعبي والدستوري، ويأتي في سياق معقد تتداخل فيه الطموحات الشخصية مع توازنات فتحاوية هشة ورفض فصائلي وشعبي واسع، ما يجعل مرحلة ما بعد عباس مرشّحة لتنازع الصلاحيات وتعمّق الانقسام السياسي، مدعوماً بالنفوذ الأمني الذي يتمتع به حسين الشيخ، على حساب القاعدة الشرعية الدستورية والشعبية، عدا عن عدم توافر آلية توافق وطني أو انتقالٍ ديموقراطي. 

ورغم إدراك الأطراف الخارجية بما فيها إسرائيل، أن تعيين حسين الشيخ في منصبه الجديد لم يغير، في المدى المنظور، الكثير على مستوى المشهد السياسي الفلسطيني، ولا على مستوى العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، إلا أن التعامل مع هكذا خطوة قُوبل بارتياح إسرائيلي وترحيب إقليمي ودولي كبير، وهذا يؤكد على أمرين مهمين، الأول متعلق بمشاريع إسرائيل الجارية لضم الضفة الغربية، أما الثاني، مرتبطاً بالموقف الفلسطيني المستقبلي من قضايا التطبيع العربي الإسرائيلي، وهذا ما يفسر حقيقة الترحيب الإقليمي بشخصية الشيخ الذي اعتاد خلال السنوات الأخيرة على تمثيل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير لدى الكثير من العواصم العربية.

وتُظهر طبيعة المطالب الخارجية بشأن الإصلاحات الداخلية الفلسطينية أنها تندرج ضمن إطار الضغط السياسي على القيادة الفلسطينية، بهدف تأمين غطاء فلسطيني للمرحلة المقبلة. ويبرز في هذا السياق دور حسين الشيخ، الذي يُنظر إليه باعتباره مرشحًا مقبولًا لدى بعض الأطراف الإسرائيلية والدولية، في ظل تقديرات تفيد بإعداده للاضطلاع بدور سياسي في المرحلة المقبلة، قد يشمل التعامل مع ملفات حساسة مثل مستقبل الضفة الغربية، والانخراط في مسارات التطبيع الجارية، ضمن رؤية إقليمية أوسع.

بشكل عام، لا يمكن إهمال مجريات اجتماع المجلس المركزي والقرارات الصادرة عنه، لكن وجود تحديات داخلية وخارجية، سوف يعمل، بشكل دائم، على تفريغ هذه الجهود من مضمونها، وخاصة مع تصاعد تحديات الحرب في القطاع وتسارع قضم الضفة الغربية، فيما يتزايد الغموض حول ترتيبات الداخل الفلسطيني.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق