غير مصنفتقدير الموقف

عمليات المقاومة في الضفة الغربية والتهديدات الإسرائيلية

أصدر ديوان رئاسة حكومة الاحتلال الاسرائيلي بياناً، الثلاثاء 22 أغسطس، في أعقاب اجتماع المجلس الأمني والسياسي المصغر لدولة الاحتلال ”الكابينت“ كشف فيه عن مناقشة المجلس المصغر لتصاعد العمليات في الضفة الغربية واتخاذه جملة من الخطوات لوضع حد لتلك العمليات من خلال استهداف المنفذين ومرسليهم كما كشف البيان الصادر عن ديوان رئاسة الحكومة تفويض ”الكابينت“ لرئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع ”غالانت“ للتحرك في هذا الشأن واتخاذ الاجراءات اللازمة لتحقيق هذا الهدف، وهو الاجراء ذاته من التفويض الذي جرى مؤخراً قبيل عملية درع وسهم في غزة ”عملية ثأر الأحرار ” وعملية منزل وحديقة التي نفذتها قوات الاحتلال ضد مخيم جنين.

عقد اجتماع الكابينت مساء الثلاثاء في اليوم التالي لعملية اطلاق نار جنوبي مدينة الخليل أسفرت عن مقتل مستوطنة وإصابة أخرى وانسحاب المنفذين، وهو ما عد تطور مستجد في العمل المقاوم في الضفة الغربية يستدعي التوقف والمتابعة، حيث اعتبرت الخليل وما حولها حتى وقت قريب منطقة هادئة نسبياً مقارنة بمركز الفعل المقاوم في الضفة الغربية والذي تمثله مناطق شمال الضفة وتحديداً مدينتي نابلس وجنين، إذ خرج منهما نحو 80% من منفذي العمليات خلال هذه الجولة من تصاعد المقاومة، لتفرض هذه العملية أجواء من الحذر والترقب لدى المستويين الأمني والسياسي في دولة الاحتلال خشية خروج منطقة الخليل وجنوب الضفة عن سمة الهدوء والالتحاق الفاعل والمؤثر في موجة عمليات المقاومة، وهو ما لقى أثره في الاجتماع الأمني المصغر الذي استمر أكثر من 3 ساعات وكشفت مصادر إعلامية مقربة من الشخصيات المجتمعة عن مستوى عال من التوتر وتراشق الاتهامات والمشادات بين المجتمعين وخصوصاً وزير الدفاع غالانت ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، اذ يعتبر غالانت أن عنف المستوطنين سيدفع بمزيد من توتير الأوضاع في الضفة الغربية وزيادة عمليات اطلاق النار وتوسيع نطاقها في حين يعتبر بن غفير أن المشكلة الوحيدة في الضفة الغربية هي ”الإرهاب“ الفلسطيني الذي يتعين على الجيش ايجاد حل له، ويستوجب منه الاهتمام بتأمين وحماية المستوطنات والمستوطنين بذات مستوى الاهتمام بحماية الجنود.

يعتبر دخول منطقة الخليل إلى نطاق الفعل والتأثير في العمل المقاوم تعبيراً واضحاً عن فشل اجراءات دولة الاحتلال في احتواء تصاعد حالة المقاومة في شمال الضفة وعجزها عن ايقاف تمددها إلى مناطق ونطاقات جغرافية أوسع، كما تتمتع مدينة الخليل بأهمية خاصة في الوعي الصهيوني لما تختزنه من بنى تنظيمية وجذور عميقة لحركة حماس والمقاومة، ما يمنحها قدرة استثنائية على إعادة ترميم بناها والانخراط في مواجهات أطول وأعقد مع الاحتلال ومستوطنيه، كما يضيف الانتشار الواسع للمستوطنات حول المنطقة تخوفاً اضافياً من تحولها لأهداف سهلة للمهاجمين ما يعني استنزاف أوسع لقدرات الجيش الاسرائيلي المكلف بحماية وتأمين تلك المستوطنات، إضافة إلى كل ذلك فإن انخراط الخليل في الفعل المباشر يعيد إلى الوعي الأمني الاسرائيلي الدخول المتأخر نسبياً لمنطقة الخليل في انتفاضة الاقصي (2000)، وما تركه من أثر واضح على تمدد الانتفاضة زمنياً وجغرافياً واتساع مدى تأثيرها وكلفتها على دولة الاحتلال.

كل ذلك دفع نتنياهو لزيارة مسرح العملية جنوب الخليل، وتوعد من مكانه بإلقاء القبض على منفذي الهجوم وتصفية الحساب معهم ومع وكلائهم القريبين والبعيدين، كما اتهم المنفذين بتلقي توجيه من خارج الضفة الغربية، كما تحدث وزير دفاعه غالانت بنفس المضمون واتهم ايران وحركات المقاومة الفلسطينية بتوجيه الهجمات في الضفة وتعهد بتدفيعهم ثمن هذه الهجمات بكافة الوسائل، ورغم ما تحمله كلمات نتنياهو ووزير دفاعه، إضافة إلى وزراء الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف من تهديدات إلا أنها تكشف عن عمق الأزمة التي تعيشها الحكومة وفشل استراتيجيتها في التعامل الأمني والاقتصادي مع تصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية، حيث ارتفع عدد القتلى الاسرائيليين خلال العام الجاري إلى 34 قتيل حتى الآن واحباط ما يزيد عن 400 عملية مقارنة بسقوط 29 قتيل خلال العام الماضي والذي اعتبر حينه رقماً مرتفعاً وخروجاً عن المألوف واستدعى تبني استراتيجية أمنية مكثفة تجاه الضفة الغربية يعيدها إلى سنوات الهدوء التي أعقبت انتفاضة الأقصى، لتكشف عمليات هذا العام، ونوعيتها ونطاقها الجغرافي، كما نتائجها وأعداد القتلى الاسرائيلي عن فشل تلك الاجراءات وحاجة المنظومة الحاكمة في دولة الاحتلال لتبنى مقاربة مختلفة تجاه الحالة المتصاعدة في الضفة، وهو ما يضعها أمام احتمالين سيطرا على أجندة النقاش السياسي والاعلامي الاسرائيلي طوال الفترة الماضية يتمثل أولاهما بشن عملية واسعة في الضفة الغربية على شاكلة عملية السور الواقي، تستهدف البنى التنظيمية للمقاومة وورش السلاح وتجارته، والعودة لسياسات الاغتيال وإعادة نشر وتكثيف حواجز التفتيش والمتابعة على الطرق الرئيسية في الضفة الغربية، ويتبنى هذا المقترح وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال بن غفير ويراه الخيار الأنسب في التعامل مع الحالة المأزومة في الضفة، في حين تعارض مؤسسة الجيش شن عملية واسعة في الضفة الغربية ادراكاً منها لارتدادات وتأثير تلك العملية على المجتمع الفلسطيني الذي سيرفع من حدة المواجهة وستحث قطاعات واسعة من المجتمع للخروج للمواجهة، إضافة إلى تشكيك مؤسسة الجيش بجدوى العمليات الواسعة على غرار عملية السور الواقي أبان الانتفاضة، فالشكل الذي تمثله حالة المقاومة في الضفة لا تستند بالأساس إلى بنى تنظيمية واضحة من الممكن القضاء عليها بالاقتحام والاجتياح للمناطق الفلسطينية.

في حين يتمثل الخيار الثاني، والذي لاقى رواجه مع التصريحات المتعاقبة لرئيس الوزراء نتنياهو ووزير دفاعه غالانت، باستهداف داعمي وموجهي العمل المقاوم في الضفة الغربية سواء من قطاع غزة أو الخارج، وهو الخيار الأرجح والأقدر من وجهة النظر الاسرائيلية على تهدئة الأوضاع في الضفة الغربية وايقاف أو الحد من حملات التحريض وإرسال السلاح والأموال إلى الضفة الغربية، إذ تدرك المنظومة الأمنية الاسرائيلية أن وفرة السلاح ودعاية التحريض هي المحرك الأساس لكافة عمليات المقاومة في الضفة بما فيها العمليات الفردية التي ينفذها أفراد غير منظمين في فصائل المقاومة ولا يتلقوا التعليمات المباشرة من بناها التنظيمية، كما يساهم هذا الخيار في قطع الطريق على وحدة الساحات والجبهات التي تعمل عليها قوى المقاومة وباتت تشكل هاجساً لدولة الاحتلال، وفي الآن ذاته تخشى دولة الاحتلال من أن عملية واسعة في قطاع غزة، أو الجبهة الشمالية، قد تعطي نتائج عكسية وتدفع الاحداث في الضفة الغربية والداخل إلى الاشتعال على غرار ما حدث في عملية ”سيف القدس “2021، ليبقى خيار اللجوء إلى عمليات دقيقة تستهدف قادة وموجهي العمل في الضفة الغربية مع السعي لعدم خوض مواجهات شاملة وطويلة هو الخيار الأنسب من وجهة النظر الاسرائيلية، وهو الهدف المعرض للاحباط في ظل الاجراءات الأمنية المشددة لقادة ونشطاء المقاومة وأخذها لتهديدات الاحتلال وقادته على محمل الجد والاستعداد، اضافة إلى ما ترسله المقاومة من رسائل تكشف عن استعدادها لخوض مواجهة حال تم الاعتداء على قادتها ونشطائها في قطاع غزة أو خارج فلسطين.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق