تقدير الموقف

دوافع وتداعيات العدوان على جنين والخيارات الفلسطينية الصعبة

أعلن الناطق باسم الجيش الاسرائيلي فجر الأربعاء 5 يونيو 2023  انهاء العملية العسكرية التي استهدفت مخيم جنين واستمرت يومين متواصلين أسفرت عن استشهاد 12 فلسطينياً واصابة أكثر من 100 واعتقال ما يزيد عن 300 من رجال وشباب المخيم اضافة إلى استهداف عشرات المباني وتدمير واسع للبنية التحتية في المخيم.

الأهداف الإسرائيلية من الهجوم على جنين

يعتبر الهجوم  على مخيم جنين رغم قصر مدته الزمنية ، نحو 48 ساعة، هو الهجوم الأكبر الذي يشهده المخيم منذ عملية السور الواقي في العام 2002، حيث شارك في الهجوم الذي أطلق عليه الاحتلال اسم ”البيت والحديقة“ نحو 1000 جندي وعشرات المدرعات الذين نفذوا اطباقهم على المخيم من عدة محاور يرافقهم جرافات d9 المدرعة والتي أسهمت في تدمير البنية التحتية للمخيم وتجريف شوارعه، إضافة إلى تدمير وإلحاق الأضرار بمعظم منازل المخيم، حيث كشفت مصادر رسمية فلسطينية في أعقاب العدوان عن تضرر نحو 80٪ من منازل المخيم إضافة إلى تدمير كامل لشبكتي المياه والكهرباء.

إضافة إلى ذلك، فقد استخدم الاحتلال مئات الجنود وعشرات المدرعات سلاح المسيرات في هجومه على المخيم، واستهدف بالقصف الجوي مجموعات زعم أنها تابعة للمقاومة وأنها تتحضّر للهجوم عليه كما أدعى تدمير بنية تحتية لمجموعات المقاومة ومصادرة أجهزة اتصالات ومعدات تصوير وعبوات ناسفة واعتقال 30 من المطلوبين.

في حين كانت الأهداف المعلنة للاحتلال هو ضرب بؤر المقاومة وتدمير بنيتها التحتية وإعادة الأمن والهدوء لسكان المستوطنات إلا أن توقيت وشكل العملية وطريقة إنهائها يكشف عن الرغبة الإسرائيلية باستخدام الهجوم على جنين كعامل احتواء وتثبيت للائتلاف اليميني المتطرف الذي تعرض لاحتمالية الانهيار نتيجة الخلافات الداخلية على شكل وطريقة التعامل الأمني مع الفلسطينيين كما تعامل نتنياهو مع أزمة التعديلات القضائية التي ما زالت تلقي بأثرها على شوارع تل أبيب من خلال التظاهرات والاحتجاجات الأسبوعية ضد الحكومة، كل ذلك دفع قيادة الاحتلال للإعلان عن عملية واسعة وكبيرة ضد المخيم وصفها العديد من الكتاب الإسرائيليين بأنها عملية استعراضية لم تحقق أياً من أهدافها، حيث كشفت مصادر إسرائيلية عن تقدير الاحتلال بوجود نحو 300 مسلح في المخيم شاركوا في عمليات اطلاق نار على حواجز وتجمعات الاحتلال وحدد جهاز الشاباك نحو 160 منهم كأهداف لهذه العملية، التي انتهت باعتقال 30 واعلان الناطق باسم الجيش عدم العثور على الآخرين بسبب اختفائهم عن الأنظار، وذلك بفضل السلوك التكتيكي للمقاومين في المخيم، حيث اعتمدوا على مهاجمة قوات الاحتلال من خلال الكمائن المتفرقة المجهزة لاستهداف الاحتلال دون الاعتماد على أسلوب الصد والمنع الذي كان يتطلب ظهور وكشف معظم المقاومين.

التداعيات المحتملة للعدوان على جنين

من جهة أخرى، أشار المراقبون إلى احتمال أن تكون الدوافع الإسرائيلية متعلقة بتعزيز وجود السلطة وتوسيع نفوذها على المخيم من خلال مشروع إعادة إعمار المخيم وترميم المنازل.

وفي نفس السياق، تبنّى محللون وجهة نظر أخرى حيث ارجعوا دوافع السلوك الإسرائيلي إلى رغبة في إضعاف وجود السلطة وإحداث جيب فلسطيني خارج سيطرتها. وفي هذا السياق، أشاروا إلى دلائل مثل تدمير إسرائيل لمقرات إدارية وأمنية للسلطة في مدينة جنين، واتهامها بالتقاعس عن مواجهة نمو مجموعات المقاومة.

وبصرف النظر عن هذين السيناريوهين المحتملين، فإن المحصلة النهائية ستتوقف بالأساس على السلوك الفلسطيني، حيث ستتوقف الأمور على قرار السلطة وكيفية استعادتها السيطرة على جنين ومخيمها. إذا كان هذا يتم عبر الاصطدام مع مجموعات المقاومة، فسيكون ذلك حل ترحيب “إسرائيلي”. من ناحية أخرى، إذا تمكنت السلطة من استعادة السيطرة على مدينة جنين بتوافق وطني، فمن شأن ذلك أن احباط مخطط “إسرائيل” إقامة معازل فلسطينية مفصولة بعضها عن بعض خارج سيطرتها.

تكمن التهديدات الكبيرة في خطة الاحتلال الإسرائيلي لإنشاء مُعزل فلسطيني في شمال الضفة الغربية ، يكون تحت طائلة الحصار العسكري “الإسرائيلي”، بالإضافة إلى الواقع الاقتصادي المتدهور الذي ستولده خطط الخنق الاقتصادية المتوقع تطبيقها من قبل “إسرائيل” على سكان جنين وقراها البالغ عددهم حوالي 350 ألف نسمة. نجاح مثل هذه الخطة – لاقدر الله – ستحطم ادعاءات السلطة الفلسطينية بشأن السيطرة على مدن الضفة الغربية وتعزز الحجج “الإسرائيلية” بشأن فشل السلطة ورفض الشعب الفلسطيني وعدم استحقاق الشعب الفلسطيني دولة فلسطينية بسبب العجز عن بناء المؤسسات الوطنية وفقدان الشرعية، أضف لذلك من شأن خلق معزل/جيب فلسطيني جديد تبرير اى عدوان “إسرائيلي” على جنين، بذرائع لن تعجز منظومة الاحتلال عن فبركتها، وربما يتكرر مثل هذا السيناريو في مناطق فلسطينية أخرى واقعة اليوم تحت سيطرة السلطة الفلسطينية بطرق وأشكال مختلفة.

مخططات الاحتلال وتحدّي “الخبرة الفلسطينية”

هذا السيناريو يذكرنا بما حدث في قطاع غزة، حيث أدت سياسات السلطة الفلسطينية إلى تعميق أزمة الانفصال السياسي والجغرافي، والتي كان أكثرها تجلّياً في سياسة العقوبات التي فرضت على القطاع بوصفه “إقليماً متمرداً”. يُذكر أن حماس، التي فازت في آخر انتخابات تشريعية فلسطينية وشكّلت الحكومة الفلسطينية العاشرة والحادية عشر وتحكم القطاع اليوم بعد أحداث دامية ناتجة عن رفض حركة فتح الاعتراف بنتائج الانتخابات والتي أعطت الشرعية لحركة حماس، أظهرت مرونة كبيرة في العديد من المحطات لإنهاء الانقسام السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، نقلت المسؤولية الحكومية للسلطة الفلسطينية خصوصاً في عامي 2014 و2017. ومع ذلك، فقد اختارت الرئيس محمود عباس رئيس السلطة التخلي عن مسؤولياته السياسية والإدارية في القطاع، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة بشكل غير مسبوق.

من هذا المنطلق، يخشى أن السلطة قد تردد نفس السياسات مع مدينية جنين ومخيمها، من خلال الدخول في صراع مع مجموعات المقاومة بحجة إعادة السيطرة، كانت هذه المجموعات أظهرت بدورها موقفاً إيجابياً تجاه عودة السلطة إلى دورها الإداري والخدمي في المدينة المنكوبة. من ناحية أخرى، يعد من الضروري لقوى المقاومة أن تستخلص الدروس من فترة الانقسام، التي ألحت ضرراً بالمشروع الوطني الفلسطيني وأعادته عقود إلى الوراء، مثل هذه الأحداث تبرز الحاجة الملحة للفلسطينيين لاستعادة الوحدة الوطنية، والعمل بمرونة وقوة لحل التناقضات الداخلية، ومواجهة الضغوط الخارجية. يستلزم ذلك مجموعات المقاومة أيضاً مراجعة بعض التكتيكات من أجل تعزيز قدرتها على مواجهة العدوان وإرهاب المستوطينين، وذلك من خلال إعادة التقييم الشامل للأوضاع في الضفة الغربية.

السلطة والدعوة لاجتماع الأمناء العامون

بعد ساعات من بدء الهجوم عقدت قيادة السلطة اجتماعاً قيادياً موسعاً لبحث تداعيات الهجوم وأعلنت في ختام الاجتماع جملة من القرارات كان أبرزها الاعلان عن وقف الاتصال واللقاءات مع الاحتلال ومواصلة وقف التنسيق الأمني والاعلان أن تفاهمات قمتي العقبة وشرم الشيخ لم تعد قائمة إضافة إلى دعوة الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية للاجتماع الطاريء من أجل الاتفاق على رؤية وطنية شاملة وموحدة لمواجهة العدوان التصدي له.

تنطلق دعوة قيادة السلطة لعقد اجتماع الأمناء العامون للفصائل من الرغبة في احتواء سخط الشارع وامتصاص غضبه، حيث تعرضت قيادة السلطة أثناء العدوان الاسرائيلي على المخيم إلى هجوم واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي لدورها السلبي في محاصرة واعتقال المقاومين وعدم قدرتها على ايقاف ومنع الهجمات التي تتعرض لها المدن والمخيمات الفلسطينية بصورة متواصلة من قبل الاحتلال ومستوطنيه، كما هاجم عشرات من الشبان في أعقاب انسحاب قوات الاحتلال مقر المقاطعة في جنين وسيارات الأجهزة الأمنية للسلطة بالحجارة وهتفوا ضد السلطة والتنسيق الأمني، كما شهدت جنازات الشهداء هتافات ضد السلطة وقياداتها.

كما يُظهر سلوك الأذرع الاعلامية للسلطة والمنصات الاعلامية المقربة من حركة فتح، ومهاجمتها المستمرة لحركة حماس عدم توفر المناخ الإيجابي داخل حركة فتح لعقد اجتماع قيادي قد يترتب عليه أي تقدم تجاه المصالحة أو اصلاح البيت الفلسطيني، في هذه الأثناء كشفت مصادر فصائلية  تلقي الفصائل لدعوة رسمية مكتوبة تضمنت بعض تفاصيل اللقاء، حيث أوضحت المصادر عن انعقاد اللقاء في القاهرة في الأيام الخيرة الشهر تموز الجاري ، رغم الكثير من الشكوك حول جدية الدعوة والمنطلقات الحقيقية وراءها.

على الرغم من ذلك، تشكل الدعوة واعلان مصر استعدادها لاستضافة اجتماع الأمناء العامون فرصة مواتية أمام الفصائل الفلسطينية لتحمل مسؤولياتها في ظل الظروف الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية والضغط على قيادة السلطة لتحديد أجندة الاجتماع القيادي بما يشمل إصلاح منظمة التحرير والعودة إلى مسار تجديد الشرعيات بما يشمل المنظمة والسلطة وإطلاق الحريات والتوافق على برنامج نضالي موحد واستعادة وحدة التمثيل الفلسطيني بما يمنح القيادة الفلسطينية القدرة على مخاطبة المجتمع الدولي ومحاصرة الشرعية الاسرائيلية. وفي هذا السياق من الضروري أن تجرى الفصائل مشاوراتها الثنائية والمتعددة للتحضير لهذا اللقاء والاتفاق على جدول أعماله والمخرجات الممكنة والعملية التي يمكن ان يخرج بها المجتمعون وعلى رأسها التأكيد على مأسسة هذا اللقاء والحفاظ على دوريته باعتباره يمثل القيادة العليا للشعب الفلسطيني في الوقت الراهن على أن يتم الاتفاق على خارطة طريق وطنية تتسع لكل المكونات والتعبيرات الوطنية وعدم حصرها في البعد الفصائل وإدخال مكونات مدنية وشبابية ضمن هذه القيادة الانتقالية ريثما يتم التوافق على انتخابات عامة وشاملة للفلسطينيين في الداخل والخارج لتجديد شرعية المؤسسات الفلسطينية، تكون مسؤولة عن تحديد خيارات الشعب الفلسطينية وإدارة مسارات السياسية والميدانية في المرحلة المقبلة بما يضمن تحقيق تقدم ملموس في انتزاع الحقوق الثابتة والتاريخية للشعب الفلسطينية وفي مقدمتها حقه في الحرية والعودة والاستقلال وتقرير المصير.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق