تقدير الموقف

فرص انعقاد المؤتمر العام الثامن لحركة فتح

بالتزامن مع موافقة المجلس الثوري على عقد المؤتمر الثامن لحركة فتح في 17 ديسمبر المُقبل 2023، بدأت الأقاليم الثمانية التي تمثل حركة فتح في قطاع غزة ترتيباتها على مستوى الشُعب ولجان المناطق ولجان سر الأقاليم، وذلك من أجل تشكيل المجلس الثوري واللجنة المركزية التي تمثل أعلى هيئة لصنع القرار الفتحاوي.

بالرغم من تأجيل المتكرر للمؤتمر الثامن، إلا أن حركة فتح لم يكن أمامها الكثير من الوقت والخيارات الأخرى، لأن ترتيب البيت الفتحاوي بات مطلباً قيادياً قبل أن يكون شعبياً، خاصةً وأنها أمام تحديات جسيمه أبرزها، تقديم قيادة جديدة لديها شرعية انتخابية خلفاً للرئيس الفلسطيني محمود عباس، فـ كافة النقشات الدائرة حول مستقبل حركة فتح والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية تحاول الإجابة على ذلك السؤال الصعب المتعلق بشكل القيادة الفلسطينية في مرحلة ما بعد محمود عباس.

تجاوز الأسباب التي كانت تستدعي التأجيل 

بجانب بعض الأسباب التقليدية المتعلقة بالتنافس على خلافة الرئيس أبو مازن ، بين أقطاب حركة فتح الأساسيين وتبعات ذلك على على فرص انعقاد المؤتمر الثامن وتسببها في تأجيل انعقاده، فقد نجحت حركة فتح وفقاً مصادر قيادية فتحاوية في تجاوز عقبات أخرى أبرزها، رفض بعض الأقاليم وخصوصاً إقليم شرق غزة عقد المؤتمر الثامن للحركة لأسباب مصلحية، لأن الممثلين عن هذا الاقليم لديهم مطالب وصلت إلى حد الخلاف مع القيادة في غزة ممثلة في أبو ماهر حلس، وكذلك القيادة في رام الله التي تجاهلت حقوقهم كما يزعمون.

ووفقاً لتلك المصادر أن مشكلة رفض إقليم شرق غزة لإجراء انتخابات الحركة ظهرت بشكل أقل حدة في بعض الأقاليم الأخرى، وهو ما تسبب جزئياً في تعطيل أو تأجيل المؤتمر الثامن للحركة خلال الأعوام الثلاث الماضية، لهذا اضطر رئيس حركة فتح في غزة أبو ماهر حلس إلى فصل نحو 70% من القائمين على إقليم شرق غزة من أجل تمرير انتخابات الأقاليم وصولاً الى عقد المؤتمر الثامن للحركة.

وحسب مجريات المراحل الأولى من الانتخابات الفتحاوية، أن الحركة تمكنت من إنجاز عدة مناطق ابرزها “منطقة غرب غزة، وأخرى في المنطقة الوسطى، لكن الجدية التي تبدو عليها انتخابات حركة فتح تظهر جلياً في تجاوز الكثير من المناطق للمرحلة الدنيا، أو مرحلة تشكيل “الشُعب”، وقد لجأت العديد من المناطق للقوائم القديمة التي أفرزتها نتائج المؤتمر السابع في العام 2016، وذلك بهدف الانتهاء من المراحل الأولى في أقرب وقت ممكن، خاصةً وأن المجلس الثوري للحركة كان قد حدد تاريخ 17 ديسمبر موعداً لعقد المؤتمر الثامن. 

لكن تلك الخطوة المتعلقة بتجاوز المراحل الدنيا خلقت الكثير من الخلافات على مستوى المناطق، خاصةً وأن اتجاهات هذه الأقاليم الثمانية في غزة موزعة أكثر من تيار داخل فتح، غير أن تلك التيارات غير مستقلة بذاتها، وليس من مصلحتها الصدام مع التيار المركزي المحسوب على الرئيس محمود عباس.

محاولة الوصول إلى لجان الاقاليم

تهدف مرحلة انتخاب القواعد أو الشُعب والمناطق إلى إفراز لجان الأقاليم، وهذه الأخيرة يكون عليها انتخاب المجلس الثوري وصولاً إلى اللجنة المركزية، لهذا يظهر تأثير أعضاء لجان الأقاليم على انتخابات المناطق وتشكيل الشعب، وذلك في محاولة منهم للاستمرار في عضوية لجان الأقاليم والترشح أو التصويت خلال انعقاد المؤتمر الثامن. في سياق مختلف يشكل العنصر النسائي نحو 20% في كافة المراحل الانتخابية، بينما تصل نسب أصحاب الخبرات والكفاءات إلى 10% وهؤلاء يتم تزكيتهم أو تكليفهم من كل منطقة وإقليم من أجل وصولهم إلى لجان المناطق أو الأقاليم أو المجلس الثوري.

الجدير بالذكر أن انتخابات المنطق الجارية في غزة الآن لا يوازيها انتخابات مشابهة في الضفة الغربية، لأن محافظات الضفة الغربية كانت قد أنجزت كل هذه المراحل في وقت سابق، وسوف تلتحق بالعملية الانتخابية عند وصولها إلى مراحل متقدمة، بينما الأقاليم الخارجية يجرى ترتيب بعضها الآن، وقد جرى ترتيب أقاليم سوريا ولبنان في وقت سابق. والحقيقة أن العملية الانتخابية في أقاليم فتح الخارجية غير متوفرة، بل يتم ترتيب المناطق ولجان الأقاليم بأسلوب التزكية أو التكليف وبناءً على الولاءات، أو علاقة لجان الأقاليم بأعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح.

تخوفات التأجيل قائمة

بسبب التأجيلات المتكررة التي شهدها المؤتمر الثامن لحركة فتح يبقى التخوف من التأجيل قائماً، ورغم حالة التفاؤل التي تبدو على أوساط حركة فتح، إلا أن تحديد موعد انعقاد المؤتمر الثامن في 17 ديسمبر ليس مقدساً كما يعتقد الكثيرون، لأن الخلافات الظاهرة بسبب تجاوز الكثير من الشُعب ودمج الكثير من الشُعب والمناطق، والخلافات حول من تنطبق عليه شروط العضوية، وخاصة المنتسبين من الاقاليم الخارجية والكفاءات والسفراء والمحافظين الخ، من الوارد أن تؤثر سلبا على موعد انعقاد المؤتمر.

جدية التحضيرات الجارية

بالرغم هذا القلق المشروع، إلا أن التحركات والتحضيرات الداخلية الفتحاوية الحالية تختلف عن تلك التحركات السابقة في هذا الشأن، فالحديث المتبادل في الأوساط الفتحاوية ان الرئيس محمود عباس يرغب في عقد المؤتمر الثامن بغض النظر عن أي معيقات، خاصة وأن زيارة الرئيس عباس إلى مخيم جنين في يوليو الماضي 2023، تُعتبر محطة تحول مهمة داخل حركة فتح وعلى مستوى السلطة الفلسطينية، فمنذ تلك الزيارة بدأ رئيس السلطة الفلسطينية يعيد حساباته حول الوضع الداخلي لحركة فتح والسلطة الفلسطينية، لأن الرسائل القادمة من الجانبين الأمريكي والإسرائيلي حول مستقبل السلطة الفلسطينية تأخذ طابعاً سلبياً، وهنا كان على رئيس حركة فتح أن يعيد لها حيوتها، وكذلك محاولة تحسين وضع السلطة الفلسطينية وقبضتها الأمنية المفقودة في الضفة الغربية,

في سياق متصل تحرص قيادات فتحاوية أخرى على عقد المؤتمر الثامن للحركة لأنها تتطلع إلى ترتيبات المرحلة المُقبلة، وإذا سلمنا بحقيقة وجود الصراع غير المُعلن بين رئيس جهاز المخابرات والقيادي الفتحاوي ماجد فرج وجبريل الرجوب، فإن الأخير عضو لجنة مركزية، بينما لم يصل ماجد فرج إلى عضوية اللجنة المركزية، وهذا ما يشكل عائقاً أمام وصوله إلى رئاسة الحركة والسلطة الفلسطينية خلفاً لمحمود عباس، لذلك يسعى ماجد فرج وقيادات أخرين من أجل الوصول الى عضوية اللجنة المركزية، وهذا ما يقوي من فرص انعقاد المؤتمر الثامن في التاريخ المحدد.

ختاماً

إذا تمكنت حركة فتح من عقد مؤتمرها الثامن في الموعد المحدد، فسوف تكون قد بادرت إلى خطوة حاسمة لإعادة الحياة والنشاط إلى الحركة. إذ يمكن لهذا المؤتمر أن يمثل تجسيدًا حقيقيًا لأصوات الشارع الفتحاوي من خلال القيادة المنتخبة. إضافةً إلى ذلك، فإن وصول قيادة جديدة إلى المناصب الرئيسية ضمن الحركة يمكن أن يؤدي إلى تغييرات جوهرية على الساحة الوطنية، خصوصاً مع اتساع قاعدة المواقع المتقدمة التي باتت شاغرة بعد قرارات الرئيس محمود عبّاس في إقالة أغلب المحافظين وكذلك العشرات من السفراء في أكثر من ٣٠ دولة ومناصب أخرى حساسة، واذا ما نجحت هذه الانتخابات في احداث التغييرات المطلوب في قيادة فتح فإن هذه المناصب سيشغلها جيل جديد من القادة الفتحاويين ومن شأن ذلك أن يجدد البنى حركة فتح و السلطة الفلسطينية على حدِّ سواء، وبما لذلك من تبعات سواء فيما يتعلق بطبيعة العلاقة مع الاحتلال أو انعكاسات ذلك على خريطة العلاقات بين الفصائل الفلسطينية الوطنية، التي شهدت العديد من التوترات  والانقسامات العميقة على مدار السنوات الماضية، يُعتبر إجراء الانتخابات الداخلية للفصائل الفلسطينية ضرورة وطنية للخروج من حالة الجمود الحالية وربّما تحسين فرص التوجه نحو الوحدة الوطنية الفلسطينية وقبل ذلك ترسيخ الديمقراطية في العمل الفصائلي والحزبي وتقوية وتعزيز الموسسات.

اظهر المزيد

إياد جبر

كاتب وباحث فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق