الحوار الفلسطينيمقالات رأيوجهات نظر

الأسرى الفلسطينيون … الساحة الأكثر اشتعالاً

يعتبر الأسير الفلسطيني مصدر الهام للكل الفلسطيني، بل للكل العربي والإسلامي لما يمثله من التاريخ الحقيقي والناصع للقضية الفلسطينية، والحركة الأسيرة من قيادة للمشروع الوطني وضمانة صوابيته. شريحة الأسرى تعتبر من أقوى وأكبر الشرائح السياسية عند الشعب الفلسطيني، ولا يستغرب أن أغلب قادة العمل الوطني والإسلامي هم أسرى، فالأمين العام للجبهة الشعبية لا زال أسيراً، والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي كان أسيراً لمدة 15 عاماً، كذلك اعتقل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لدى إسرائيل والأغلبية العظمى لقادة الفصائل قضوا عدة سنوات في المعتقلات الإسرائيلية.

عمدت إسرائيل إلى محاولة تحطيم الأسير الفلسطيني عبر سياسة ممنهجة منذ لحظة الاعتقال والتعذيب والمحاكمات الصورية التي لا تمت للقانون بصلة وحرمان الأسير من أبسط احتياجاته الحياتية مثل التواصل مع أهله من خلال الزيارات التي تكاد تكون موسمية وتفتقر لأبسط أشكالها الإنسانية. ولم تكتف بذلك، بل تعدت إلى حرمان أفراد عائلة الأسير من حقوقهم كالسفر والعمل والعلاج … الخ.

تؤكد أعداد الأسرى في السجون الصهيونية منذ العام 1967، واحتلال باقي الأراضي الفلسطينية في الضفة وغزة إلى إدراك أهمية ساحة الأسرى فلسطينياً وخطورتها الشديدة على شرعية وأمن إسرائيل. حيث يبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 حتى الآن أكثر من مليون أسير يقبع حوالي 5000 منهم في السجون الآن، بينهم 27 أسيرة، و175 قاصراً، و670 معتقلاً إدارياً، أي بلا محاكمة أو تهمة.

ويبلغ عدد الأسرى المرضى أكثر من 600 أسير ممن تم تشخيصهم. من هؤلاء الأسرى 200 حالة مرضية مزمنة من بينهم 22 أسيرًا مصابون بالسّرطان وأورام بدرجات متفاوتة، أخطر هذه الحالات الأسير ناصر أبو حميد الذي يواجه وضعاً صحيًا خطيرًا هذا الأيام، جراء إصابته بسرطان في الرئة. أيضاً بلغ عدد شهداء الحركة الأسيرة الذين استشهدوا في السجون الإسرائيلية 227 شهيداً، نتيجة لجريمة الإهمال الطبي المتعمد (القتل البطيء) أو القتل اثناء الاستجواب أو إطلاق النار مباشرة أثناء الاعتقال. إضافة إلى ذلك، هناك المئات من الأسرى المحرّرين الذين استشهدوا نتيجة أمراض ورثوها من السجن، حيث بلغ عدد الشهداء الذين ارتقوا نتيجة لسياسة الإهمال الطبي بعد التحرر 72 شهيدًا. كما أن الذين يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد وصل إلى 549 أسيراً، وأعلاهم حكماً الأسير عبد الله البرغوثي، المحكوم بــ67 مؤبداً.

ويواصل الاحتلال كجزء من سياساته الممنهجة، احتجاز جثامين 8 أسرى استشهدوا داخل السجون، وهم: أنيس دولة الذي استشهد في سجن عسقلان عام 1980، وعزيز عويسات في العام 2018، وفارس بارود، ونصار طقاطقة، وبسام السايح، وأربعتهم استشهدوا خلال 2019، وسعدي الغرابلي، وكمال أبو وعر اللذان استشهدا عام 2020، وآخرهم سامي العمور خلال 2021. هذه الأرقام الصادمة لم تحرك العالم أو تنصف الأسرى ما يجعل يد إسرائيل طليقة لتفعل ما تشاء.

الأسرى وصقل الوعي الفلسطيني

لقد استنتج الأسرى أن الممارسات القمعية التي مارستها ولا زالت تمارسها سلطات السجون غير ارتجالية، وإنما مخطط لها على أعلى المستويات في دولة الاحتلال الإسرائيلي، بمعنى أن مصلحة السجون الإسرائيلية تنفذ آليات وقرارات صدرت بهدف تعذيبهم.

هذه الممارسات ساهمت في تراكم التجربة والخبرة لدى الأسرى، والتفكير في إعادة رص صفوفهم وتوحيد جهودهم من أجل مواجهة السجان، مما ساهم في خلق نواة جامعة للأسرى أطلق عليها فيما بعد الحركة الوطنية الأسيرة، والتي تبرز أهميتها ودور نضالاتها المتراكمة داخل قلاع الأسر، والتي من خلالها استطاعت حماية الأسرى من كل مخططات تفريغ الذات، التي تحيكها الأجهزة الأمنية الصهيونية ضد الأسرى، وطنياً وإنسانياً. هذا ونجحت الحركة الأسيرة، من خلال مراكمة إنجازاتها على مدى تاريخها، بتحويل السجن والاعتقال إلى فرصة لإعادة صياغة الشخصية النضالية للأسير الفلسطيني وصقلها من جديد، من خلال عدد من البرامج التربوية والثقافية والسياسية، والتي تراعي الظروف النفسية والضغوط الحياتية التي يعانيها الأسير داخل الاعتقال. وبالتالي، تضيف تلك البرامج إلى تجربته النضالية السابقة أبعاداً جديدة تساعده على الصمود أكثر في وجه تهديدات السجن والسجان من جهة، وتساهم، من جهة أخرى، في استمراريته في الحالة النضالية الفلسطينية بعد انتهاء فترة الأسر. وعندها، ينتصر الأسير الفلسطيني في معركة الوعي والمحافظة على الذات في وجه كل المؤامرات الإسرائيلية الاحتلالية لكل ما هو مقاوم في العقل الفردي والعقل الجمعي للأسرى الفلسطينيين.

كما أن الاتفاق على إضراب الأسرى الفلسطينيين قبل أيام يعيد بناء الوعي وثقافة الثورة الأصيلة، حيث إن آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال بأمعائهم الخاوية يعيدون تأصيل المعادلات والتذكير بالبديهيات بأن ثورة الشعب الفلسطيني هي حركة مقاومة وتحرر من الطراز الأول، أبعد من ثورة على سجان، وثورة تعيد للشعب الفلسطيني وعيه.

الأسرى وديمومة الصراع

يحسب للأسرى فضل السبق في حمل راية المقاومة والنضال ضد الاحتلال، في أثناء الأَسر وقبله. فهي قبل الاعتقال أذاقت جيش الاحتلال الإسرائيلي، في كثير من المعارك، مرارةَ الهزيمة، وأجبر أبطالها المستوطن الصهيوني، من خلال عملياتهم الفدائية، على أن يدرك أن وجوده في أرض فلسطيني مؤقت، وبذلك تعد شريحة الأسرى الأكثر جرأة وإقداماً على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم مما يرافق ذلك من تضحية وفداء. لذا، يمثل الأسرى نموذج المقاومة الذي تتطلع الأجيال الشابة من الشعب الفلسطيني إلى الاقتداء به، والسير على دربه ونهجه، وهذا الأمر تحديداً ما يقلق مضاجع أمن الاحتلال الإسرائيلي.

في الأشهر الماضية، تحققت سلسلة من الإنجازات في مواجهة المنظومة الأمنية الإسرائيلية، بدءاً من عملية نفق جلبوع التي مرغت كبرياء الأمن الإسرائيلي في التراب، مروراً بالنجاحات التي سطرتها معارك الإضرابات الفردية، والتي توجت بالانتصار للأسير الأسير خليل عواودة، وليس انتهاءً ببدأ نحو ألف معتقل في سجون الاحتلال إضراباً مفتوحاً عن الطعام، كخطوة أولى رداً على عدم استجابة سلطات الاحتلال لمطالبهم.

وتشير الإحصاءات الأمنية الإسرائيلية أن أكثر من تسعين في المئة من الأسرى الفلسطينيين يعودون إلى ممارسة الفعل المقاوم بعد خروجهم من الأسر على الرغم من كل محاولات منظومات الأمن الإسرائيلية لكسر إرادة الأسرى الفلسطينيين في أثناء فترة الأسر، من خلال محاولة عمليات غسل الأدمغة للأسرى، كي يتحول الأسير إلى شخص مسلوب الإرادة، فاقد للأمل، ناقم على مبادئه الوطنية التي آمن بها قبل الأسر. وبالتالي، يفقد الأسير العوامل التي تمكنه من ممارسة أي دور نضالي مستقبلي، ويتم تحويله إلى نموذج لا أحد يريد أن يلقى مصيره. وبذلك تتحول السجون من مكان لإجهاض الأحلام الوطنية وقتل الإرادة الثائرة كما أرادها المحتل، إلى ساحات للتعبئة، والتنظيم، والمواجهة، والمقاومة.

الأسرى والفصائل المقاومة

لطالما كان ملف الأسرى يحتل أولوية لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، وهناك الكثير من نماذج اهتمام فصائل المقاومة الوطنية والإسلامية بالأسير كقيمة نضالية وإنسانية، من خلال تجنيد المقاتلين الأشداء وخيرة النخب المقاتلة، في سبيل تحريرهم من سجون الاحتلال. حيث إن هناك عشرات العمليات العسكرية التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية بشتى المراحل والأزمنة، فتح، والجبهتين الشعبية والديمقراطية، جبهة تحرير فلسطين، والقيادة العامة، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وغيرهم، وأغلبها إن لم يكن جميعها هدفت إلى تحرير الأسرى والتي كان أخرها صفقة وفاء الأحرار التي تحمل الرقم 38 من مجمل صفقات التبادل عربياً وفلسطينياً في تاريخ الصراع بين العرب وسلطات الاحتلال الإسرائيلي.

إن عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي قامت بأسره مجموعة من المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة والتي أدت إلى الإفراج عن 2710 أسيرًا وأسيرة فلسطينية، فيما عرف بعملية وفاء الأحرار التي رعت تفاصيل انجازها حركة المقاومة الإسلامية حماس وذراعها العسكري كتائب القسام، يدلل بأن الأسير لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، من القيم الأساسية في تاريخ الثورة والمقاومة الفلسطينية. هذا بالإضافة إلى رعاية عائلات الأسرى والشهداء، من قبل فصائل العمل الوطني والإسلامي، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على التزام فصائل المقاومة الفلسطينية بتحرير الأسرى من سجون الاحتلال. هذه ثقافة المقاومة التي تم ترسيخها بالعمل الفكري والممارسة الميدانية، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك، بأن ثقافة المقاومة وتحرير الأسرى، هي التي تسود عند كافة فصائل المقاومة الفلسطينية.

الأسرى واشتعال الثورة في الضفة الغربية

كان لعملية نفق جلبوع – “الطريق إلى القدس” التي نفذها الأسرى الأبطال الستة بقيادة محمود العارضة ورفاقه أيهم كممجي ويعقوب قادري ومحمد العارضة وزكريا الزبيدي ومناضل انفيعات، والذين أطلق عليهم اسم كتيبة جنين. هذه العملية أعطت روحاً جديدة لهذه الثورة المتصاعدة في الضفة ضد الاحتلال والتي تشهد خطاً متصاعداً منذ العام 2015 في هبة القدس والتي افتتحاها ضياء التلاحمة ومهند الحلبي. وقد وصل الوضع النضالي والجهادي في الضفة إلى ما يمكن تسميته الآن انتفاضة عسكرية تزداد اتساعاً جغرافياً كل يوم وتتصاعد رأسياً من خلال أدواتها ونتائجها. حيث إنه منذ اللحظة الأولى للإعلان عن الأسرى الستة الذين كانوا جميعا من مدينة جنين، استعادت جنين دورها الثابت تاريخياً، وذلك من خلال التشكيلات المسلحة لمحاولة الدفاع عن الأسرى الستة الذين أطلق عليهم فيما بعد كتيبة الجنين.

أصبح الأسرى مجددي الاشتباك والثورة في الضفة الغربية، والتي انتقلت من جنين إلى نابلس وطولكرم والخليل، لتعلن انطلاق كتائب المقاومة المتصاعدة في الضفة. حيث صرحت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن ما يجري في الضفة الغربية المحتلة من تصاعد المقاومة ضد جيش الاحتلال، يأتي أيضاً بتأثير مما يحدث للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

  أكدت الحركة الأسيرة من خلال فعلها الجهادي في كل المحطات قبل الاعتقال واثناءه وبعده وما تحققه من نتائج على مستوى روح الثورة والمواجهة وعلى مستوى بقاء فتيل الجهاد والقتال مشتعلاً أن المقاومة والنضال في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي هي الطريق الوحيد القادر على بناء الأمم وتوحيدها وتثبيتها على الطريق الصحيح على مر السنين؛ وقد ثبت للجميع أن خيار المقاومة هو الخيار الأمثل لدحر الاحتلال ونيل الحرية؛ وفي سبيل ذلك قضى عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني شهداء ومئات الالاف من الجرحى. وقضى مليون فلسطيني جزءً من سنوات العمر في غياهب الأسر، فالأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال ليسوا مجرد أرقام، بل هم عناوين البطولة ورموز التضحية. إن كانوا فخرا للقضية الفلسطينية فهم بالنهاية بشر تمتهن كرامتهم، وتسلب أحلامهم، يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، دون مراعاة للقوانين والاتفاقيات الدولية.

ولقد سطر الأسرى الفلسطينيون تاريخاً حافلاً بالصمود والتضحية؛ وهم لا يملكون سوى الإرادة والايمان بعدالة قضيتهم. فقد خاض الأسرى في سجون الاحتلال إضرابات عدة، واستطاعوا بأمعائهم الخاوية تحقيق إنجازات عدة أجبروا بها السجان على الرضوخ لمطالبهم وتلبية احتياجاتهم. حيث خاض الأسرى 24 إضراباً عن الطعام منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة.

هكذا ستظل قضية الأسرى الشكل الأكثر تعبيراً ومصداقية عن الروح الفلسطينية التي تتمسك بحقوقها وثوابتها وتصر على مواصلة المقاومة بكافة الأشكال والأدوات وفي كل المحطات والأكثر تعبيراً عن المظلومية الفلسطينية والتي امتدت لأكثر من سبعة عقود. وأعتقد أن عنوان الأسرى يقع على رأس الملفات التي يتوحد حولها الكل الفلسطيني والتي تحرك جميع العناوين السياسية في الخارطة الفلسطينية.

ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيين على مدار اللحظة من مصلحة السجون الإسرائيلية يشكل رافعة مهمة للفلسطينيين ليحشروا اسرائيل في قفص الاتهام الأخلاقي والسياسي وذلك من خلال طرق كل الأبواب الدولية والمؤسسات القانونية والجنائية وتسويق قضية الأسرى عالمياً وبشكل وطني مسؤول من خلال السفارات والممثليات والجاليات الفلسطينية المنتشرة في العالم.

رؤية ختامية

إن استمرار الاحتياجات الفلسطينية في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية والـ 48 الداعمة للأسرى والمطالبة بإطلاق سراحهم خاصة حالات المرض الشديد سوف يربك إسرائيل ويضعها في موقف إدانة عالمية.

على الفلسطيني أينما وجد تفعيل قضية أسراه خاصة في ظل الانفتاح الإعلامي لتصل إلى كل شخص ومؤسسة لتحدث تغييرات في الرأي العالمي لصالح الحق الفلسطيني وإعادة للبصريات الإسرائيلية غير الإنسانية وغير القانونية.

الوسوم
اظهر المزيد

فتحي جميل

باحث في مجموعة الحوار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق