وجهات نظر

ملتقى الحوار الوطني خطوة أولى في بناء التوافق الوطني

بدعوة من المؤتمر الشعبي للفلسطينيين في الخارج، انعقد ملتقى الحوار الوطني الأول لنقاش وثيقة معنونة ب”الاستراتيجية الوطنية الشاملة” ، حيث حضر نحو 130 شخصية فلسطينية مثّلوا طيفاً واسعاً من التوجهات الفلسطينية المتنوعة فصائلياً، بما في ذلك في البعد الاجتماعي والمؤسساتي، وشمل الحضور عدداً من رؤساء مراكز الأبحاث والأساتذة الجامعيين وقادة المجتمع المدني في الخارج والداخل – بشكل رمزي- ، إلى جانب مشاركة لافتة من المجموعات الشباب والناشطات في قطاع المرأة.

أتى حدث انعقاد ملتقى الحوار الوطني لإظهار رغبة واضحة للفلسطينيين في التواصل والحوار حول مجمل القضايا الفلسطينية مع تركيزه على وثيقة ” الاستراتيجية الوطنية”، وكذلك مثل رسالة حاسمة بخصوص عزم الفلسطينيين في الشتات على المحافظة على دورهم في صناعة القرار الوطني الفلسطيني، وذلك في ظل محاولات الاحتلال المستمرة لإبعاد الفلسطينيين في الخارج عن دائرة التأثير في القرارات الوطنية. وإضعاف أدوارهم في معادلة الصراع مع الاحتلال.

على صعيد التوقيت، يمكن اعتبار تنظيم هذا الحوار كرد فعل مباشر على محاولات الاحتلال التضييق على المؤسسات الفلسطينية في الداخل والخارج، وبالأخص مؤسسات المجتمع المدني في سياق أوسع يستهدف إضعاف المرجعيات الفلسطينية وتقويض شرعيتهم من خلال استغلال بعض العوامل الداخلية والخارجية.

على الرغم من الأزمات العميقة التي تعصف بمنظمة التحرير الفلسطينية، لكن حرص المشاركون على مواقف واضحة بشأن الحفاظ على هذا الإطار القانوني الممثل للشعب الفلسطيني في المحافل الإقليمية والدولية، الذي تحقق بتضحيات وجهود فلسطينية مريرة.

وبالرغم من الأوضاع الحالية المليئة بالتحديات والتعقيدات فلسطينياً، جدد المشاركون إيمانهم بأهمية استثمار هذه اللحظة التاريخية التي قد لا تتكرر، حيث يتجه النظام الدولي إلى التعددية، كما أن الوضع العربي والإقليمي بدأ يميل نسبياً لصالح القضية الفلسطينية. لذا، ستبقى المهمة المركزية لأي تحرك اتجاه منظمة التحرير ترتكز على فكرة تصحيح أوضاعها، وضرورة استعادة مكانتها وتمثيلها لكافة الفلسطينيين.

من خلال الاستمرار في النضال من أجل تحرير مؤسساتها وقراراتها من القيادة الحالية التي أصبحت تشكل الخطر الأكبر على مستقبل المنظمة. بما يتوازى ويتكامل مع مشروع الاحتلال الذي يهدف إلى تقويض شرعية المنظمة وعزلها داخليًا وخارجيًا. لذلك، بات من الضروري التشديد على أهمية منظمة التحرير بصفتها عنوان سياسي للفلسطينيين، شرط إعادة بنائها على أسس جديدة إما عن طريق التوافق الوطني أو عبر انتخابات تفضي الى تجديد هياكلها وترمم شرعيتها المتآكلة بفعل غياب الإرادة السياسية لقيادتها ونهجها القائم على الإقصاء والتفرد.

وبدون الغوص في تفصيلات الاستراتيجية التي تمت مناقشتها خلال ملتقى الحوار الوطني، والتي تم الإعلان عنها في وقت سابق خلال مؤتمر صحفي في بيروت، يمكن القول بأن الاقتراح المقدم من المؤتمر الشعبي حول الإستراتيجية الوطنية نجح في تحليل الوضع الفلسطيني الحالي، وإدراك التحديات الموجودة والفرص المتاحة الآن وفي المستقبل. وفي هذا السياق، تقدم الوثيقة نظرة فاحصة للبيئة الإقليمية والدولية المحيطة بالقضية الفلسطينية، مما يجعلها أساسًا ملائماً للتطوير المستمر إذا ما تم مراعاة كافة التطورات في الوضع الفلسطيني، مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات الإقليمية والدولية وأثرها على النضال الفلسطيني ضد الاحتلال وتحالفاته الإقليمية والدولية العميقة.

بالرجوع إلى الوثيقة التي تم إعدادها بمنظور سياسي شامل، مع الذي تضمن تصور لجميع المسارات الممكنة للكفاح الفلسطيني ضد الكيان العنصري المحتل “إسرائيل”، ستواجه الوثيقة والأفكار المعبر عنها تحديات جدية في تطبيقها العملي. وفي هذا الإطار، يمكن اعتبارها أساساً نظريًا قابلاً للمناقشة في أي حوار سياسي فلسطيني. ولكن، في ظل الظروف المعقدة التي يواجهها الشعب الفلسطيني، والموارد المحدودة المتاحة له، يفترض أن بناء أي استراتيجية يعتمد على القوة الذاتية والقدرة الفلسطينية على الاستمرارية، مع تقليل الحاجة للاعتماد على العوامل خارجية والتي قد تكون غير مستقرة بسبب التغيرات السريعة في البيئة السياسية والأمنية في المنطقة. وبالتالي، يفضل تبني منهجية تتوافق مع واقعنا كفلسطينيين تتميز بأهداف أساسية رؤية بعيدة بما يتطلبه من نفس طويل وتبصّر سياسي وحسّ استراتيجي، ولمزيد من تحقيق مستلزمات نجاح أي استراتيجية سيتطلب وجود قيادة مركزية و تأمين مشاركة أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين للمساهمة في هذه الاستراتيجية في سبيل تحقيق مبدأ الزخم والتغلب على تحديات القصور في العمل الوطني وتفادي التشتت في الجهود المبذولة من أجل فلسطين.

في ذات السياق يجب أن تكون أي استراتيجية تتوفر فيها عناصر الالهام والجاذبية لضمان انخراط أكبر شريحة ممكنة من الفلسطينيين في انفاذها. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نناقش بنفس الأهمية الإطار التشغيلي لهذه الاستراتيجية، بما في ذلك البرامج والهياكل وفرق العمل، بحيث تتحول الأفكار التي تم تقديمها في الوثيقة إلى حركة سياسية لها تأثير في الواقع السياسي والميداني الفلسطيني. وهذا يعزز أهمية استقطاب نخب متخصصة تساهم في تطوير بيئة التفكير السياسي الفلسطيني من سياسيين ومفكرين وباحثين فلسطينيين لدعم تنفيذ الاستراتيجية ونقلها من الإطار النظري إلى المستوى العملياتي.

ختامًا، يمكننا النظر إلى مبادرة المؤتمر الشعبي للفلسطينيين في الخارج لعقد ملتقى للحوار الوطني كخطوة ضرورية في طريق بناء مرجعيات فلسطينية موثوقة. ليس بهدف بناء هيئات تمثيلية أو إقامة شرعيات بديلة، بل أبعد من ذلك، وهو خلق بيئة آمنة ومشجعة للحوار بين الأطراف الفلسطينية وتوليد أفكار يمكن التوافق عليها على الصعيد الوطني. ما سيمهد الطريق لبناء الثقة بين الأطراف الفلسطينية ويزيد من احتمالات تحقيق الوفاق الوطني العام.

في النهاية، تعاظم التحديات والمخاطر بالفلسطينيين وقضيتهم ما هي إلا دعوة لتعزيز الوحدة والعمل المشترك، بينما تشكل الفرص الحالية والمستقبلية للقضية الفلسطينية أرضية خصبة للأفكار السياسية الخلّاقة ونافذة واسعة للنضال الشامل. الطريق قد يكون طويلاً ومليئاً بالعقبات، لكن بالصبر، العزم والإصرار، يمكن للفلسطينيين تحقيق تطلعاتهم العادلة في الحرية والعودة وتقرير المصير انتزاعاً من أخطر وأكثر انواع الاحتلال قسوة وإجرام أسوة بكل شعوب الأرض الذين نالوا استقلالهم من قوى الاحتلال والاستعمار بدعم وإسناد كل الشعوب الحرّة والمحبّة للعدل والسلام.

اظهر المزيد

صادق أبو عامر

رئيس مجموعة الحوار الفلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق